للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم نفقة الزوج على زوجته المريضة]

السؤال

هل يجب أن ينفق الأخ على أخته المتزوجة المريضة، حيث إن نفقة المرض لا يلزم بها الزوج، أثابكم الله؟

الجواب

باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فالعلاج من حيث الأصل فيه خلاف بين العلماء، هل الزوج يعالج زوجته أو لا؟ والصحيح من حيث الأدلة: أنه لا يجب على الزوج أن يعالج زوجته، لكن إذا كان هناك سبب يوجب العلاج؛ بحيث جاء المرض من جهة حملها لجنينه وجاء بالتبعية فإنه يجب عليه أن ينفق عليها.

لا يجب على الزوج وليس بفرض عليه، ولكن من ناحية الأفضل والأكمل، وهو من المعروف والخير الذي لا يشك أحد في حسن الخلف والجزاء فيه من الله عز وجل، أن يضحي الزوج وينفق على زوجته، هذا من حيث الأصل.

وينبغي على الإنسان أن يفرق بين الشرع والعواطف، فبعض الناس حينما يقال له: إن الزوج لا يجب عليه علاج زوجته، يستغرب وينكر، ولا يجوز لأحد إذا سمع حكماً شرعياً أن يبادر بالاستغراب والتعجب؛ لأن الله إذا حكم لا يعقب على حكمه، فالزوجية رباط له حرمته وضوابطه، والشريعة لا تكلف أحداً إلا بأصول وقواعد صحيحة؛ الذي بين الزوجين أن الزوج يملك الاستمتاع من زوجته ويقوم على نفقتها، وما تحتاج من الأمور اللازمة.

بعد ذلك ما يتعلق بجسدها من إصلاح حاله إذا مرضت وسقمت، فهذا أمر خارج عن أساس الزوجية في الأصل، ولذلك لم توجبه الشريعة.

لكن لو كان المرض متعلقاً بسبب من الزوج، وأن الزوج أمرها بشيء وترتب عليه هذا الضرر، أو فعل بها ما ترتب عليها بسببه هذا الضرر، فهذا شيء آخر.

حتى الرجل الأجنبي لو أن شخصاً عمل عنده، وألزمه بشيء وترتب عليه ضرر، فهذا شيء آخر، لكن نحن نتكلم على الأصل، فالأصل يقتضي أن الزوج ليس ملزماً بعلاج زوجته.

وبعض الباحثين من المتأخرين يقول: إن هذا حكم غريب في الفقه الإسلامي.

وهذا ليس بصحيح، وإنما يجب على الشخص إذا ألزم الزوج بعلاج زوجته أن يحضر دليلاً من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لا ينسب إلى الشريعة الشيء بالهوى وبالعادة وبالتقاليد، ولكن بنص الكتاب والسنة، والذي في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم القيام على نفقة الزوجة بإطعامها وسكناها وتعهدها في كسوتها ونحو ذلك بالمعروف، وأما مسألة العلاج فهذا ليس بلازم كما ذكرنا، وقد تقدمت معنا هذه المسألة، وأشرنا إلى هذه الأدلة وبيناها.

إذا ثبت هذا نقول ونكرر: إن الزوج الأفضل له والأكمل أن يضحي من أجل زوجته، وأن يحتسب عند الله سبحانه وتعالى ذلك، وأن الله سبحانه وتعالى لا يضيعه.

وأما بالنسبة لنفقة الوارث والقريب فهي وجود الحاجة من الطعام والكسوة، مثلما ذكرنا في الزوج، لكن لو أن أُخته احتاجت للعلاج، فمما لا يمكن للإنسان القريب أن تسمح له نفسه في حق الأخوة أن يترك أخته مريضة ولا يقوم بعلاجها ولا بمداواتها، لا يمكن أبداً إذا كانت نفسه أبية صالحة ولا يهنأ له عيش.

والحمد لله فالفطر السليمة والنفوس تختار مرضاة الله سبحانه وتعالى، وأفضل ما يكون التقرب وأبلغ ما يكون من الرضا من الله عن عبده إذا بدأ بأقرب الناس إليه.

وقد يستغرب الإنسان إذا تأمل هذا؛ أنك تجد الشيطان لا يقعد لك في الرصد مثلما يكون فيما بينك وبين قرابتك، فتجد الإنسان أنشط وأقوى ما يكون مع الغرباء، وتجده يضحي من أجلهم حتى إنه يذهب لأحدهم يقضي له حاجته ويحس بنشوة إيمانية وراحة نفسية لا يعلمها إلا الله، لكن ما إن تأتي الحاجة لعم أو عمة أو خال أو خالة أو ابن عم أو ابن خالة أو قريب، إلا وجد دون ذلك من الحواجز والضيق والتعب والعناء والكراهية من نفسه ما الله به عليم؛ لأنها غاية وأمنية عظيمة، قد حفت الجنة بالمكاره؛ فلما عظم ثوابها وجل عند الله جزاؤها، وحسنت عاقبتها، صده الشيطان.

حتى إن العبد لو غبر قدماً واحدة من أجل أن يصل رحمه للسلام؛ فإن الله يبارك له في العمر والرزق، فما بالك إذا مد المال لكي يقضي دين القريب أو يعالجه من مرضه؟ لا شك أنه أكمل وأعظم، ولذلك قعد عدو الله بالرصد، فالشيطان يجعل الإنسان في هذا أضيق ما يكون إذا ذهب يعالج أخته.

تقول له: أنا محتاجة إلى علاج، فتجده يختلق من الأعذار وتضيق به الدنيا، ويحس أنه في أكرب يوم، ويتثاقل يتثاقل حتى يقف على باب بيته، ثم تجده يتضايق ويصيح عليها ويحملها في سيارته وهي مليئة بالكلام الذي تكره معه معروفه، ثم يحملها إلى مكانها حتى يقضي لها علاجها، أو يقضي لها حاجتها، ثم يرجع وهو مكره، مشمئز النفس، وهذا -نسأل الله السلامة والعافية- من الحرمان.

لكن لو أنه شعر أنه في أوج الرحمة، وأبلغ ما يكون في الرضا؛ لأن أولى الناس بخيرك أقرب الناس إليك، وإذا لم ترحم الأخت فإلى من تتجه بعد الله عز وجل، الأخت والأخ هم أحوج الناس إليك، خاصة بعد موت الوالدين، خاصة إذا كانوا أيتاماً، وخاصة إذا كانوا قاصرين، وخاصة إذا بليت الأخت بزوج لا يرحمها أو لا يحسن إليها.

فتكون في ظلها وكنفها دليلاً لها، تشتهي مرضاة الله بإدخال السرور عليها، تشتري مرضاة الله عز وجل بقضاء حوائجها، تشتري مرضاة الله عز وجل بعلاجها ومداواتها، وتحتسب عند الله كل حركاتك وسكناتك وستجد أثر ذلك؛ ربما تجد العوائق أولاً قبله، لكن والله ما إن تمضي قليلاً منه إلا وجدت من الانشراح والبركة والخير ما الله به عليم، فإن ضاقت عليك الدنيا وسع الله ضيقها، وإن عظم عليك الكرب وجدت من الله تنفيساً، وإن زاد عليك الهم وجدت من الله تثبيتاً، ومن أراد أن يجرب هذا فليجربه.

من أبلغ ما تشترى به مرضاة الله عز وجل بعد بر الوالدين؛ الإحسان إلى الإخوان والأخوات، وكل يوم إذا استطاع الإنسان بل في كل ساعة، فضلاً عن كل يوم، أو أسبوع، أو شهر، أو سنة، أن يسأل نفسه ما الذي قدمه لإخوانه وأخواته؟ متى زار الأخ والأخت؟ ومن أفضل وأكمل ما يكون الأخ الكامل الفاضل الذي يريد أن يشتري مرضاة الله عز وجل، والقريب الفاضل الكامل الذي يشتري مرضاة الله؛ ألا ينتظر من الأخ والأخت أن يعرض حاجته، ربما في المرة الأولى تجدهم يسألونك حوائجهم، ثم يرفعك الله إلى درجة أبلغ وأكمل، وهي أن تصبح أنت الذي تتفقد حوائجهم، وتجد الأخت في بعض الأحيان تريق دمعتها خجلاً أمام أخيها من كثرة ما تجد من إحسانه وبره وملاطفته لها، حتى إنها توري أمورها وتغيبها، لأنه سما إلى مرتبة عالية.

هناك من الإخوان من لا يبدو لإخوانه إلا إذا سألوه، فهو يعطيهم لكنه بمنزلة أقل، لكن الأكمل والأفضل هو الأخ الذي يذهب بنفسه يتفقد حوائجهم، والأفضل والأكمل الأخ الذي قضى حوائجهم حتى وصل إلى درجة الكمالات.

وتصور الساعة التي تدخل فيها على الأخت خاصة؛ لأن النساء فيهن ضعف وحاجة وحنان ورحمة.

والكلمة اليسيرة البسيطة عند المرأة تقع بمكان أبلغ من ملايين الأموال من شدة الحنان الذي تجده الأخت، فإذا دخل الإنسان، ومسح رأس ابنها وأدخل السرور عليها بكلمة طيبة، ووقف في ظلها وأخذها لحاجتها أو واساها في كربها، كم سيجد من الرحمات، وليجرب نفسه حينما يخلفها وراء ظهره، وقد رفعت كفها إلى ربها، وتوجهت بقلبها وقالبها إلى خالقها أن يجزيك بالحسنى في الدنيا والآخرة؛ لأنها تدعو من قلبها، وليس هناك أبلغ من دعاء القريب لقريبه، ولا أبلغ من وفاء وحب القريب لقريبه؛ الحب الذي لا تشوبه شائبة، ولا يدور حول المصالح، ولا تكدره الأكدار.

الأخ يؤذي أخاه فيزداد بذلك محبة له، والأخ يهين أخاه فيذهب ليكرمه، لأن هذا شيء في القلب.

لذلك النبي صلى الله عليه وسلم مع ما وجد من قريش فإنه قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون).

فالحاصل أن النفوس لا ترضى إذا وجدت من القرابة الحاجة إلا بمساعدتها، فليصبر الإنسان خاصة طالب العلم الذي يريد أن يفتح الله عليه في علمه، والقدوة كالإمام والداعية والمعلم والشيخ، ينبغي دائماً أن يربأ بنفسه أن يكون في مرتبة قاصرة عن الكمالات، وليعلم أن الرحم تعلقت بالله سبحانه وتعالى، وقالت: (هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأن أقطع من قطعك)، فرضيت من الله أن يصل من وصلها وأن يقطع من قطعها.

فنسأل الله بأسمائه وصفاته أن يرزقنا صلة الرحم، وأن يجعلنا ممن وصله بصلتها، وأن يتقبل ذلك خالصاً لوجهه الكريم، موجباً لرضوانه العظيم، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>