للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حق المملوك في السكنى والطعام واللباس]

قال المصنف رحمه الله: [وعليه]: الضمير هنا عائدٌ على السيد، والتعبير بقوله: (وعليه) يدل على اللزوم، أي: يجب على السيد تجاه عبيده وإمائه النفقة، وقد تقدم تعريفها وبينا هذا الطعام والكسوة والسكنى، والأصل في ذلك: ما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم وليلبسه مما يلبس، ولا يحمله ما لا يطيق؛ فإن حملتموهم ما لا يطيقون فأعينوهم).

في هذا الحديث الشريف دليل على وجوب إطعام السيد لعبده وأمته.

ولذلك جاء في الحديث الآخر: (للملوك نفقته وكسوته بالمعروف)، فلما قال رحمه الله: (وعليه نفقته)، أي: على السيد نفقة عبده، ويشمل ذلك الطعام لقوله عليه الصلاة والسلام: (فليطعمه مما يطعم)، والكسوة لقوله: (وليلبسه مما يلبس)، وكذلك يجب عليه أن يسكنه.

وهذا كله بإجماع العلماء رحمهم الله لثبوت النصوص فيها.

أما الطعام: فإن كان السيد غنياً فإنه لا يجب عليه أن يطعمه طعام الأغنياء، ومن هنا: اختلفت النفقة في الزوجية عن النفقة في ملك اليمين، إنما يطعمه الطعام الذي يقوم به عوده ويصلح به حاله، وأما إذا كان السيد معسراً فإنه يطعم طعام المعسرين.

وأما بالنسبة لنوعية الطعام، فلحديث الشافعي في مسنده: (بالمعروف)، يدل على أن هذا يرجع إلى العرف، فالعبيد والموالي لما كانوا في أيام المسلمين كانوا يطعموهم بالعرف، فموالي الغني يُطعمون طعام موالي الأغنياء، والفقراء كذلك يطعمون طعام الموالي الفقراء والضعفاء، على حسب العرف الذي فيه السيد والمولى.

وأما اللباس: فهو يختلف بحسب اختلاف المولى: فإذا كان العبد أو الأمة بحال فإنه يلبس ما يليق بحاله، فإذا كان عنده مهنة وعمل لبس لباس المهنة والعمل، ولذلك فرق العلماء والأئمة بين لباس الأمة التي يطؤها سيدها لأنه لباس زينة وجمال، وبين الأمة التي تخدم في البيت وتطبخ على أنه لباس بذلة تحتاج معه إلى شيء يساعدها على ما هي فيه من المهنة والعمل، فاللباس يختلف بحسب اختلاف الرقيق والمولى ذكراً كان أو أنثى.

ثم قوله: (عليه) عام يشمل إذا كان الرقيق يعمل أو لا يعمل، وذلك لأن النفقة على الرقيق لا يشترط فيها أنه يخدم سيده حتى ولو كان المولى عاجزاً صغيراً أو كبيراً، فإن الإسلام يلزم سيده بالنفقة عليه، وكذلك لو كان به عاهة أو مرض يمنعه من التكسب والقيام على نفسه، فإن سيده ملزم بأن يقوم عليه وينفق عليه بالمعروف، وفي هذا دليل على رحمةِ الله بعبيده وخلقه، حيث إنه سبحانه راعى أحوال هؤلاء وأمرهم أن يطيعوا لمواليهم ويحسنوا لهم؛ حتى وعد المولى الذي يقوم على خدمة سيده الجنة إذا مات وسيده عنه راضٍ، يعني: أدى حق سيده على أتم الوجوه وأكملها.

فبين المصنف رحمه الله: أنه يجب على السيد أن ينفق بالطعام والكسوة والسكنى على الرقيق.

<<  <  ج:
ص:  >  >>