للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الدعاء بأمور الدنيا في مواطن إجابة الدعاء]

السؤال

ما حكم الدعاء في أمور الدنيا في مواطن إجابة الدعاء أثناء الصلاة، أثابكم الله؟

الجواب

الدعاء بأمور الدنيا جائزٌ على أصح قولي العلماء، ولا بأس للمسلم أن يدعو بدفع مكروه دنيوي، أو تحصيل أمرٍ دنيوي في صلاته، خلافاً للحنابلة رحمهم الله، واستدل الحنابلة على المنع بقوله عليه الصلاة والسلام: (إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيءٌ من كلام الناس) قالوا: وأمور الدنيا من كلام الناس.

واستدل الجمهور بالأحاديث الصحيحة، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم) والمغرم الدَّين، وهو من أمور الدنيا.

وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر دعائه: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) وهذا يشمل جميع ما فيه الخير من أمور الدنيا، ولذلك اعتبر من جوامع دعائه، فالصحيح أنه لا بأس أن يدعو.

وأقوى الأدلة للجمهور على هذه المسألة، قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (ثم ليتخير من المسألة ما شاء) يعني بعد التشهد، وهذا عام، والأصل في العام أن يبقى على عمومه، وليس هناك ما يدل على التخصيص، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يصح فيها شيء من كلام الناس) إنما جاء في مواضع الذكر المخصوصة؛ لأن صورة السبب قطعية الدخول في الحكم، فهذا ليس له علاقة بالدعاء لأن له أصلاً دل عليه، وإذا تعارض الأصل العام مع الأصل الخاص قدم الأول، وقوله: (ثم ليتخير من المسألة ما شاء) جاء بياناً لأصلٍ خاص وهو الدعاء، وأما قوله: (لا يصح فيها شيء من كلام الناس) فجاء على سبيل العموم، فيقدم هذا الخاص الوارد في أصل المسألة وهي الدعاء في أمور الدنيا، وهو الأشبه والأرجح إن شاء الله.

ولكن من الحرمان أن يدعو الإنسان في الأماكن الفاضلة التي ترجى فيها الإجابة بالدنيا، ومنها الدعاء أدبار الصلوات، ولذلك لما سئل عليه الصلاة والسلام: (أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، وأدبار الصلوات المكتوبة) فأدبار الصلوات أماكن ترجى فيها الإجابة، فيخصها الإنسان بالدعوات العظيمة، وأن تكون همته للآخرة، ولذلك عجب الله من قومٍ دعوا بالدنيا فقال: {وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:٢٠٠].

فالمنبغي أن الإنسان يتشوف إلى ما هو أعظم، ولا مانع أن يسأل الله في الدنيا الحسنة، وبذلك أقول: إنه ينبغي للمسلم أن يتخير لهذه الأماكن الفاضلة ما يناسبها من جوامع الدعاء وخير الدين والدنيا والآخرة، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>