للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تعريف الأذان والإقامة]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين: أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب الأذان والإقامة].

الأذان في اللغة: الإعلام، ومنه قولهم: آذنه.

إذا أعلمه، قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج:٢٧]، والمراد بذلك أعلِمهم به.

وقال الشاعر: آذنتنا ببينها أسماءُ رب ثاوٍ يمل منه الثواء أي: أعلمتنا وأخبرتنا.

فأصل الأذان: الإعلام، وأما في الاصطلاح: فهو الإعلام بدخول وقت الصلاة بلفظٍ مخصوص.

فقولهم: (الإعلام بدخول وقت الصلاة) المراد به: الصلاة المفروضة، وقولهم: (بلفظٍ مخصوص): هو اللفظ الذي حدّده الشرع لهذه العباده وعيّنه النبي صلى الله عليه وسلم وأقرّه كما في قصة عمر وعبد الله بن زيد رضي الله عن الجميع.

والأذان مشروعٌ بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، شرعه الله في كتابه بقوله: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:٥٨]، أي: أذَّنتم بها وأعلنتم بها، وكذلك شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما أراد مالك بن الحويرث وصاحبه أن يسافرا إلى قومهما، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا حضرت الصلاة فأذِّنا)، ووجه الدلالة في قوله: (فأذِّنا)؛ حيث دل على مشروعية الأذان بالسنة القولية، وكذلك أجمعت الأمة على مشروعية الأذان.

والحكمة من مشروعية الأذان: تنبيه الناس وإعلامهم بفريضة الله عز وجل.

ويكون بعد دخول الوقت، ولا يصح الأذان قبل دخول الوقت إلا أذان الصبح الذي يكون في السدس الأخير من الليل، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من هذا الأذان؛ إذ إن المقصود به أن يرد القائم وينبه النائم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم)، وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن أذان بلال بالسحر، وهو الأذان الأول يُقصد منه أن يرد القائم أي: أن الإنسان إذا كان في قيام الليل قد لا ينتبه لدخول الفجر، فربما استمر في قيامه وصلاته بالليل حتى يفاجأ بأذان الفجر وهو لم يوتر بعد، ولذلك شرع الله عز وجل هذا الأذان كما في الحديث السابق عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لما وصف وقت الأذان الأول بكونه في ليل دلَّ على أنه قبل وقت الصبح، فهذه هي الحالة التي يُشرع فيها أن يكون الأذان قبل دخول الوقت، وهي حالةٌ مخصوصة، ومن أهل العلم من قصره على رمضان بناءً على ورود الأخبار فيه من أجل الصيام.

والمقصود أن حكمة مشروعية الأذان تنبيه الناس، كما أن فيه إعلاءً لذكر الله عز وجل، ولذلك قال بعض السلف في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣]، قال: المراد بهذا المؤذن، فإنه يدعو إلى الله، ويعمل صالحاً بدعوته إلى الصلاة، ويقول: إنه من المسلمين؛ لأنه يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، ويقول: أشهد أن محمداً رسول الله، فهذا خيرٌ كثير للقائل، وخيرٌ للناس لما فيه من إعلاء كلمة الله عز وجل.

فقال العلماء: إن من حكمة مشروعية الأذان، إعلاء ذكر الله عز وجل، ووجود الشهادة لما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) أي: حينما تقول: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) فإن الله يُشهِد الحيوان والجامد على شهادتك تلك، وتكون خيراً للعبد بين يدي الله عز وجل.

والإقامة: مصدر: أقام الشيء يقيمه، وإقامة الشيء المراد بها أن يؤدِّيه الإنسان على وجهه المعتبر، ولذلك أمر الله بإقام الصلاة، بمعنى أن يُؤديها المكلف على أتم وجوهها وأكمل صفاتها.

والإقامة المراد بها: الإعلام بالقيام إلى الصلاة بلفظٍ مخصوص، وهو اللفظ الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة كما سيأتي إن شاء الله بيانه في موضعه.

فكأن المصنف رحمه الله يقول: في هذا الموضع سأذكر لك جملةً من الأحكام والمسائل المتعلقة بالأذان والإقامة، ومناسبة هذا الباب لما قبله أنه بعد أن فرغ من بيان حكم الصلاة شَرَع في بيان مشروعية الأذان، والسبب في هذا أن الفقهاء رحمهم الله، يبتدئون في كتاب الصلاة ببيان حكم الشرع في الصلاة، وعلى من تجب، ومن المخاطب بها.

فبعد أن بين لك من الذي يخاطب بالصلاة، ومن الذي يؤمر بها، ومتى يؤمر، شرع في بيان ما ينبغي أن يكون قبل الصلاة من النداء لها، والإعلام بدخول وقتها، فقال رحمه الله: (باب الأذان والإقامة).

<<  <  ج:
ص:  >  >>