للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الجهة الأولى: جهة الحلف]

في قصة قتيل هذيل الذي قتلته خزاعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تحمله من باب الحلف؛ لأنه بين أجداد النبي صلى الله عليه وسلم وخزاعة حلفاً في الجاهلية، وخزاعة أحلاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية والإسلام، ولذلك كما تعلمون في صلح الحديبية أن من أسباب نقض هذا الصلح من قريش إغارة حلفائهم على حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم من خزاعة، حتى قال قائل خزاعة: اللهم إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا فناشده بالحلف الذي كان موجوداً واستمر وبقي بعد الإسلام، ويدل هذا على مشروعية العاقلة بالأحلاف بين القبائل، فإذا وقع الحلف بين القبيلة والقبيلة على المناصرة والمؤازرة والتحمل، فإن هذا له أصل في الإسلام، ومحمول على ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه أبقى حلف آبائه وأجداده مع خزاعة، مع أنه حلف مع القبيلة، فإذا وقعت المناصرة بين قبيلة وقبيلة وبينهم حلف، فإن هذا الحلف تجب به المناصرة، وتتحمل به القبيلة عن القبيلة الأخرى إذا حصلت دماء، وحصلت ديات كثيرة لم تستطع القبيلة الأولى أن تتحملها، فإنها تنتقل إلى القبيلة الثانية بالحلف.

والعاقلة في الأصل كما سيبين المصنف رحمه الله: من جهة النسب ومن جهة الولاء، ويلتحق بذلك حلف القبائل -كما ذكرنا- لثبوت السنة به، وقد حمل بعض العلماء قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء:٣٣] على أن المراد به التعاقد باليمين، والحلف على النصرة بين القبائل بعضها مع بعض، وأما إذا انتقل شخص من قبيلته إلى قبيلة أخرى؛ بسبب دم أو فرار من حق فهذا لا حلف فيه على قول طائفة من العلماء، ولا يحصل به العقل، كما قرره غير واحد من الأئمة رحمهم الله، وبينوا: أن المراد به الأحلاف الظاهرة، والحلف إذا كان على الوجه الذي ذكرناه، وكان على أمور شرعية لا جاهلية فيها فإنه مشروع؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: (شهدت بدار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أُحب أن لي به حُمر النعم ولو دُعيت لمثله في الإسلام لأجبت) وهذا الحلف: هو حلف الفضول، وحلف الفضول وقع في دار عبد الله بن جدعان في أنهم يناصرون المظلوم، ويعينون المحروم، وأنهم يعينون الحاج والمنقطع، ونحو ذلك من الأمور التي لا تخالف شرع الله عز وجل.

قوله: (باب العاقلة وما تحمله) هذا الباب في الحقيقة هو من عدل الله عز وجل، وهو باب عظيم، عدلت فيه الشريعة بين الناس، وجعلت العقل على قرابة الإنسان؛ لأن الذي يرث الإنسان هم قرابته، فكما أنهم يأخذون الإرث ويغنمون، كذلك يتحملون الخسارة، ومن يعترض على الإسلام أنه أعطى الذكر مثل حظ الأنثيين أخطأ في فهم الإسلام؛ لأن الإسلام في الأصل جعل الذكر يتحمل ويعقل ويغرم، وفي النفقة يتحمل النفقة والأنثى لا تتحمل هذه التبعات، ولذلك في نظام العاقلة في الإسلام لا تتحمل الأنثى، كما سيأتي إن شاء الله تفصيله؛ لأن العقل للقرابة بالنسبة للعصبة المتعصبين بأنفسهم، وهذا من أقوى الأمور التي تدمغ بها هذه الشبهات.

والإسلام ربط بين الغنم والغرم، والقاعدة تقول: إن الغرم بالغنم والغنم بالغرم، وهو معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنن: (الخراج بالضمان).

فالمصنف في هذا الموضع سيذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بعقل الديات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>