للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حد اللوطي]

قال المصنف رحمه الله: [وحد لوطي كزانٍ] اللواط من الفواحش العظيمة، وهي من كبائر الذنوب -أعاذنا الله وإياكم منها- وهي: إتيان الرجل الرجل، وقد عاقب الله عز وجل من فعلها -وهم قوم لوط- فرفعهم إلى السماء ثم جعل عالي القرية سافلها، ثم أتبعهم بحجارة من سجيل، وهذا أبلغ ما يكون من العقوبة، وذكر بعض أئمة التفسير أنه رفعت القرية حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونهيق الدواب، وهذا من أبلغ وأشد ما يكون عقوبة نسأل الله السلامة والعافية! ولذلك شنع الله عز وجل هذه الفاحشة، ووصفها بالخبث، ووصفها بالفسق وبالسوء قال: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء:٧٤]، فوصفهم بهذه الأوصاف، ووصفهم بالجهل، ووصفهم بالاعتداء {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل:٥٥]، فهذا كله يدل على حرمة هذا الذنب.

وأجمع العلماء على التحريم، وأنه من كبائر الذنوب، لكن اختلفوا في عقوبة من فعل هذه الجريمة، والذي عليه الحنابلة والشافعية وبعض أصحاب الإمام أبي حنيفة وبعض أصحاب الإمام مالك أن حد اللواط كحد الزنا، سواء بسواء، يجلد ويغرب إن كان غير محصن، ويرجم إن كان محصناً.

ومذهب الحنفية أن يحبس حتى يتوب أو يموت.

وقال بعضهم: يقتل، وهو اختيار بعض أصحاب الإمام مالك رحمهم الله، واختلفوا في قتله، فقال بعضهم: ينظر إلى أعلى دار فيرمى منها منكساً، كما أثر ذلك عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم، واستدلوا بأن الله عز وجل عاقب قوم لوط بهذه العقوبة، ولكن هذا ضعيف، ووجه ضعفه أننا لو قلنا بأنه يرمى من أعلى دار أو يحرق بالنار كما أثر عن بعض الصحابة رضوان الله عليهم؛ للزم من هذا أن التاجر إذا طفف الكيل أخذ بعقوبة قوم شعيب المذكورة في القرآن، والذي يظهر أن قوم لوط كان عندهم جريمة أشد من اللواط وهي كفرهم بالأنبياء، فكفروا بنبي الله لوط عليه الصلاة والسلام، واجترءوا على حرمته، وعقوبتهم كانت جماعية، وجاءت بسبب ذنوب الجماعة، وليست كعقوبة الفرد، فالاستدلال بمثل هذا يحتاج إلى نظر؛ لأنه لو درج على هذا لانتقضت كثير من الأحكام، وما أثر عن بعض الصحابة فلا يمنع أن يكون ذلك منهم على سبيل التعزير والزجر؛ لأنه إذا وقع الشيء كأول حدث فإن الفاعل قد يعاقب بأشد العقوبة حتى لا يتتابع الناس عليه، فيكون فيه معنى زائد عن الجرائم المعتادة المألوفة.

والذي يظهر -والله أعلم- أن إلحاق النظير بنظيره أقوى من إلحاقه بعقوبة الله عز وجل لقوم لوط؛ لأن قوم لوط كفروا بنبي الله عز وجل، وكذبوه، وردوا ما جاء به، ولم يقبلوا أمره لهم بالطهارة، ولم يقبلوا أمره لهم بالعفة، فهذا يضعف جعل هذه العقوبة أصلاً، وأما ما ورد في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه أصل، فيلتحق اللوطي بالزاني، ويأخذ حكمه محصناً كان أو غير محصن، هذا هو الأشبه والأقعد والأقرب والأقوى دليلاً إن شاء الله تعالى.

وقد بين المصنف رحمه الله تعالى أن حده كالزاني، وقد تقدم حد الزاني سواء كان رجلاً أو امرأة، فإن كان اللوطي محصناً جلد ثم رجم، وإن كان غير محصن فإنه يجلد ويغرب سنة.

مسألة: السحاق هو: استمتاع المرأة بالمرأة، وهو محرم بإجماع العلماء رحمهم الله، وهل يأخذ حكم الزنا أو لا يأخذه؟ الصحيح: أنه لا يأخذ حكم الزنا؛ لأنه لم يحصل فيه الإيلاج الذي يترتب عليه الحكم، كما سيأتينا في حد الزنا، ومن هنا تكون عقوبة السحاق قاصرة، والأشبه أنه يرجع فيها إلى نظر الإمام، فيعزر بما يراه زاجراً ومانعاً عن السحاق.

لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللواط شيء، فيه أحاديث فيها الأمر بالقتل لكن في سندها ضعف، والأشبه ما ذكره أهل العلم.

وهنا مسألة نحب أن ننبه عليها: المبالغة في فهم بعض النصوص أمر صعب جداً على طالب العلم وعلى من يريد أن يؤصّل تأصيلاً شرعياً صحيحاً، فبعض العلماء يقول: إن من فعل جريمة اللواط لا تقبل له توبة ولا يختم له بخير، ولا يدخل الجنة!! وقد وردت كثير من الأسئلة فيها استشكال هذا، سبحان الله العظيم!! من هذا الذي يستطيع أن يقول: إن اللواط فاق الشرك، وأصبح أعظم من الشرك والكفر بالله عز وجل!! نعم هو جريمة ممقوتة، وملعون من فعلها، لكن لا نقول: إن الله لا يقبل توبته، وإنه لو تاب لا تحسن خاتمته، وإنه لا يمكن أن يدخل الجنة، من هذا الذي يستطيع أن يذكر هذه الأمور ويقطع بها على الله عز وجل، والنصوص جاءت بخلافها!! والله تعالى يقول في محكم كتابه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]، وقد مر بنا في بعض الأسئلة أن رجلاً وقع في هذا البلاء، فقال: إنه لا يريد أن يسلم، ولا يريد أن يطيع الله عز وجل بعد سماعه هذا الكلام، يأس من رحمة الله عز وجل نهائياً، حتى فُهِّم وبُيّن له بالدليل الشرعي: أن هذه المعصية من تاب منها توبة نصوحاً تاب الله عز وجل عليه، وليس هناك ذنب أعظم من الشرك بالله عز وجل، وقد تاب الله عز وجل على المشرك إذا تاب وصدق في الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.

فننبه على هذا، خاصة وأن بعض الوعّاظ ينقل من بعض هذه الكتب، وهذا الشخص الذي يأس -والعياذ بالله- من رحمة الله، وكاد أن يهلك، قال: سمعت خطيباً قالها في خطبته، وبعضهم يقولها في المحاضرات المسجلة على الأشرطة، وهذا من ضعف الفقه في وعظ الناس، ليس كل وعظ يقال ينقل للناس، بل ينبغي أن يضبط بالضوابط الشرعية.

وننبه أيضاً على الأصل العام، وهو أن الوعظ فيه دخن، وينبغي الحذر منه، وكتب العلماء التي في الوعظ والرقائق وذكر العبّاد والصالحين وما كانوا عليه من الصلاح؛ قد يدخل فيها أمور تخالف النصوص الواضحة من الكتاب والسنة، والعلماء لم ينبهوا عليها؛ لأن هذه الكتب أصلاً كانت تنسخ باليد، وما كانت تقع إلا في يد عالم، وليس كزماننا الآن الكتاب يقع في يد كل شخص، كان في القديم الكتاب عزيز، ولا تجد منه في العالم كله إلا نسخة أو نسختين، فما كان يقع إلا لعالم يأتي ويقول: أريد هذا الكتاب تنسخه لي، ويجلس الناسخ سنة كاملة أو سنتين وهو ينسخ الكتاب، هذا كله لعزة الكتب، فكانت هذه الكتب لا يقرؤها إلا العلماء، وهم يعرفون غثها من سمينها، وصحيحها من سقيمها، ومن هنا يعرف الجواب على من يستشكل أن هذه الكتب كانت منشورة وتنسب لأهل العلم، فنقول: إنها كانت منشورة بين أهل العلم الذين يعرفون صحيحها من ضعيفها، وهذا الذي جعل بعض الغيورين ينبهون على بعض ما فيها من الأخطاء، مثل قولهم عن الإمام فلان: كان يصلي ثلاثة آلاف ركعة، وآخر كان يسبح ثلاثين ألف تسبيحة في اليوم، كيف ثلاثين ألف تسبيحة؟!! كيف يكون هذا؟!! في الثانية كم سيسبح؟!! هذا من المبالغات، إلا إذا كان كما يقول بعضهم: من وصل إلى مقام رفيع فإنه إذا جر سبحة فيها ألف حبه تحسب له ألف تسبيحة، سبحان الله!! قول على الله بدون علم، وجرأة، انظروا كيف الشيطان يستزل الإنسان؟ إذا يئس منه بالمعصية جاءه من باب الطاعة، فليحذر من مثل هذه الأمور، والتحذير منها مهم جداً، ومثل ذلك أيضاً ما قيل عن الإمام أبي حنيفة أنه مكث أربعين سنة يصلي الفجر بوضوء العشاء، أستغفر الله! كيف وزوجته عنده؟ لا تستطيع أن تقطع أنه صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة، من هذا الذي جلس مع الإمام أبي حنيفة رحمه الله يراقبه أربعين سنة أو عشرين سنة كما يذكر بعضهم؟ هذه أشياء العاقل المنضبط الذي يعرف أصول الشرع لا يمكن أن تنطلي عليه.

قال بعض العلماء: يعرف ضعف الرواية والخبر بضعف متنها، وهذا من ضعف المتن، فوجود الغرائب في المواعظ، وفي أخبار العلماء أو في الأحكام الشرعية يدل على ضعفها، فينبغي للخطيب وللواعظ وللمحاضر وللمعلم أن يحذر من نقلها، ويحذر منها نصيحة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وغيرة على هذا الدين، وبعداً عن أن يكون الإنسان حاطب ليل، ينقل ما صفا وما كدر، وعلى طلاب العلم واجب كبير في هذا الأمر.

انظروا كيف الوعظ بمثل هذه الأمور أوصل الشخص إلى درجة اليأس من رحمة الله! حتى كاد -والعياذ بالله- أن يبقى على البعد عن الله عز وجل إلى أن يموت! ما فكر أن يرجع إلى الله لأنه سمع من قال له: إنه لا توبة لك، وإن تبت فإنه لا تحسن خاتمتك، وإذا تبت وندمت لا تدخل الجنة! فهذا من أبلغ ما يكون من القول على الله بدون علم.

وعلى طالب العلم أن يحذر، وأن ينتبه من مثل هذه الأشياء، وأن يحذر منها، وأن يبقي الأمر على السنن الوارد في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله عليه الصلاة والسلام، ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم عامتها وخاصتها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>