للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم رجم الزاني بحجارة البيت الذي زنى بأهله]

السؤال

ما قولكم فيمن قال: إن حكم الله بالرجم للزاني يرجع إلى أن هذا الزاني هدم بيتاً، ولذلك يرجم بحجارة هذا البيت؟

الجواب

نقول: إنه قال على الله بدون علم، هذه والله الجرأة، هل نهدم بيوت الناس من أجل أن نرجم الزناة؟ من قال: إن من زنت أو زنى نهدم بيت من زنى بها، ونأخذ حجارة البيوت للرجم؟ من قال بهذا الكلام؟ هذا قول على الله بدون علم، قوله: إنه هدم بيتاً فيرجم بحجارة البيت الذي هدمه، ما هذا؟ هل هذا علم؟ علينا أن نحذر من بعض الوعّاظ والقصاص الذين ينمقون ويرقعون، ويحاولون أن يتفيهقوا، وليس عندهم علم ولا فقه، تجد الواحد منهم يتحذلق، ويأتي بالكلمات العجيبة، وسنبين هذا في الجزئية الثانية، والجزئية الأولى أن هذا كذب، وليس له علاقة، وليس بأمر صحيح؛ لأن رجم الزاني يكون بحجارة من الأرض وليس من حجارة البيت.

ورجم الزاني عقوبة من الله سبحانه وتعالى، أمر بها من فوق سبع سماوات، وهي: تعبدية، جعل الله عز وجل عقوبة من زنى وهو محصن قد استوفى الشروط المعتبرة للإحصان؛ أن يرجم حتى يموت، ألا يقتصر هذا الحد في ردع الناس من فعله؟ بلى، بل يردع الأمة التي فعل فيها أو الجماعة أو القبيلة، فهي عبرة من أشد العبر، حتى إن الشخص لو حمل حجراً يريد أن يرجم زانياً فلا يرجمه إلا وقد أخذ من العبر والعظات ما الله به عليم، يهتز قلبه، ويرجف فؤاده، ويعرف عندها ما هي جريمة الزنا، وكيف يكون عقاب من دمّر بيوت المسلمين؛ لأنه أحصن وزوج ثم بعد ذلك لم يرض بحلال الله، بل ذهب يسعى إلى نساء المسلمين ليفسد أعراضهم ويهتكها عليهم؛ فهذه عقوبته من الله عز وجل، وتكون بالرجم ولا تكون بالسيف، بل تكون بما أمر الله عز وجل به، وليس لنا إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير.

الجزئية الثانية: الشخص قد يأتي لحد من حدود الله عز وجل يريد أن يبين لماذا كان هذا؟ فيقول: من أجل كذا، بلا علم، فهذا من أخطر الأشياء، لا يجوز لأحد أن يقول: إن الحكم الشرعي لعلة كذا، أو لسبب كذا، إلا بطرق معروفة عند علماء الشريعة، تعرف بطرق التعليل، ومسالك التعليل، وهي طرق شابت فيها رءوس العلماء، وحارت فيها ألباب الحكماء، ألف فيها بعض العلماء خمسمائة صفحة في منزع العلة، وبيان ما هو علة، وما هو شبه علة؛ وما هو تخييل، ككتاب: شفاء الغليل وبيان مسالك التعليل، وبيان أوجه الشبه والتعليل.

هذه أمور ليست فالتة لكل أحد، وليست نهباً لكل متحذلق يأتي ويتكلم، المصيبة الآن كثرة المتعالمين، الذين يحاولون أحياناً أن يتكلموا عن محاسن الشريعة فيخوضون في شيء لم يعلموه ولم يعوه، ولا يجوز لإنسان أن يصدقهم في هذا، وإذا كان الزاني المحصن هدم البيت ليرجم الزاني المحصن بحجارته، فلو أن بكراً زنى بامرأة متزوجة وهدم البيت، لكنه ما يرجم، انظر كيف التعارض؟ هذه ما انطبقت علته، هو يقول: من هدم البيوت يرجم، هذا خطأ، لو كان عنده علم ما قال هذا؛ لأنه لو كان الأمر كما ذكر لرجم البكر؛ لأنه لو جاء إلى امرأة وأغراها وزنى بها وهي متزوجة فقد هدم بيتها، ولولا أنه زنى ما انهدم البيت، فتعبيره خاطئ، ومثل هذا لا يصدق، ولا يكشف عوارهم إلا العلماء، وينبغي على الإنسان ألا يأخذ علم كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ممن يوثق بعلمه، والحذر من القصاص والوعّاظ الذين يحاولون أن يحسنوا وهم مسيئون، زين لهم سوء عملهم، تجد الشخص منهم عجب الناس من بلاغته وفصاحته وتأثيره، فخاض في علم التعليلات، وليس عنده مسلك للعلم، وليس عنده ورع يمنعه عن القول على الله بدون علم، فالحذر من أمثال هؤلاء، والحذر من الخوض في التعليلات، علينا دائماً أن نراعي جانباً يقال له: جانب التسليم، وهذا هو أساس الإيمان والعقيدة، ما سمي الإسلام إسلاماً إلا من الاستسلام، التعليلات إذا لم تأت عن طريق عالم متمكن بصير لا تقبل.

العلة تعرف بطريقين: الطريق الأول: يسمى الطريق النقلي، والطريق الثاني: الطريق العقلي.

أما الطريق النقلي فهي: العلة المستنبطة بنص الكتاب أو السنة، وهو أن ينص الكتاب أو السنة على العلة، وهذه العلة المنصوصة مجمع عليها، والإجماع له مستند، وأما العلة المستنبطة بالعقل فهذه فيها كلام للعلماء رحمهم الله، ولها ضوابط وقيود.

وعلى كل حال؛ أعود إلى أساس الأمر، وهو الرضا والتسليم، وعلينا دائماً أن ننتبه لمن يحاول تعليل الأحكام بلا علم، وأن نكون في الأصل مسلّمين قبل أن نكون معلمين، علينا أن نكون مسلمين مستسلمين قبل أن نكون من أهل الرأي والعقلانيين الذين يقول أحدهم متبجحاً: إذا لم أعرف شيئاً أو لم أعقل شيئاً في دين الله فلا أقبله! يعني لو جاءه نص من أصح النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء لم يبلغه عقله؛ يقول لك: لا، أنا ما أقبله! نسأل الله السلامة، ونعوذ بالله من انطماس البصائر، ونسأل الله بعزته وجلاله أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا! وعلى المسلم أن يحذر وأن يحذر غيره من هذا، والخطباء والوعاظ عليهم أن يتقوا الله عز وجل، وألا يقولوا على الله بدون علم، وأن يحذروا مسائل التعليل، ويحذروا الكتب التي فيها وعظ وترقيق، وبيان لمحاسن الشريعة التي كتبها أناس لم يضبطوا الفقه وأصوله، وهذا أمر نعرفه عنهم بالخبرة، فهم يقعون في أخطاء شنيعة، لو أن هذه العلل أخذت على ظاهرها، لكانت هدماً لأمور من الشريعة مستقرة، فالحذر من مثل هذه الأمور، الحذر منها ما أمكن.

وعلى كل حال؛ جماع الخير كله في تقوى الله عز وجل، ومن تقوى الله ألا يقبل العلم إلا من أهله، ومن أخذ العلم عن أهله؛ استنارت بصيرته، وحفظه الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، من كان علمه على أيدي العلماء من السلف الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، يأخذ علمه وفهمه للنصوص عن سلف وأثارة وطريق بينٍ واضح؛ فقد هُدي إلى صراط مستقيم، ومن كان علمه تتبع العبارات، وتنميق الكلمات، وتحسينها خداعاً للمؤمنين والمؤمنات؛ فليبك على نفسه، فإنه قد قال على الله بدون علم، وليقفن بين يدي الله ويسأل عما قال، فعلينا أن نحذر من ذلك، ونسأل الله بعزته وجلاله أن يعصمنا من الزلل، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>