للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[العلة في عدم إقامة حد القذف على عبد الله بن أبي]

السؤال

لماذا لم يقم النبي صلى الله عليه وسلم الحد على عبد الله بن أبي وقد نص القرآن بذلك ودل عليه؟ أثابكم الله.

الجواب

هذا ذكره بعض العلماء رحمهم الله في مسألة ثبوت الجناية والجريمة، أما الثلاثة الذين هم مسطح وحسان وحمنة حصل منهم القذف، وعرفوا بين المسلمين بالكلام والخوض في هذا الأمر، والذي حركهم لذلك خفية هو عبد الله بن أبي وتولى كبر القذف، فاختار الله عز وجل له ألا يظهر منه ما يوجب ثبوت الحد عليه بالكلام في الفحش، فأرجئت عقوبته إلى الله عز وجل في الآخرة، وهي أشد وأعظم من عقوبة القذف في الدنيا وهي الجلد، ولذلك أقيم الحد على الثلاثة لأنهم كانوا من أهل الإسلام، أما هذا فإنه منافق كافر بالله عز وجل، لا يشتغل بحد القذف فيه وهو كافر بالله عز وجل، ولذلك أطلع الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام على الجناية من هؤلاء الثلاثة، وأمر بعقوبتهم، ولكن عبد الله بن أبي وهو الذي تولى كبره أرجأ الله عقوبته، وتولى الله عز وجل عقوبته في الدنيا والآخرة؛ لأنه ليس بعد الكفر ذنب، والخبيث كان يثير هذه الأشياء ويحسن التخلص منها، كان يحسن ألا يكون في الصورة، وألا يكون أمام الناس، ومن هنا قالوا: من ناحية شرعية الله عز وجل على علم بأنه من أهل الكفر والنفاق، وما هو معقول أن يجلد حد القذف وهو على ما هو أخبث منه! فمن حكمة الله سبحانه وتعالى أنه قبل منه الظاهر، وأجرى النبي صلى الله عليه وسلم عليه حكم الظاهر، مع أنه معلوم النفاق، ومن أهل النفاق الذين لا يألون -والعياذ بالله- جهداً في أذية الإسلام والمسلمين، وبقي امتحاناً من الله لنبيه، وسنة لعباده وأوليائه في كل زمان ومكان، فإذا كان نبي الأمة يبتلى بهذا الرأس من رءوس النفاق حتى يتكلم في عرض النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلكل عالم ولكل داعية رأس من رءوس النفاق؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء، ولكل مصلح رأس من رءوس النفاق، ولذلك تجد كل عالم من علماء السنة في كل زمان له -والعياذ بالله- من يترصد به، ويؤذيه، ويتظاهر بأنه على الحق والخير، إنها سنة ماضية، ولذلك تعزى المسلمون، وتعزى الأخيار والصالحون بمثل هذا، لو أقيم عليه الحد كان أمره ليس كما لو لم يقم عليه الحد، وعقوبة الآخرة أشد من عقوبة الدنيا، وفضوح الآخرة أعظم من فضوح الدنيا، والله سبحانه وتعالى بالمرصاد: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:٢٢٧]، ومن كانت عقوبته إلى الآخرة فأمره إلى وبال وخسارة؛ لأن الأمور بالعواقب، ولذلك من أقيم عليه الحد طهر، حتى قال بعض العلماء رحمهم الله -وكان بعض مشايخنا يختاره في التفسير-: إن العقوبة للتطهير، ومثل هذا المنافق لا يطهر، قلبه فيه البلاء، في قلبه وليس في جسده: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء:١٤٥]، فهذا من أشد البيان على أنهم بلغوا -والعياذ بالله- الغاية في التمرد على الله عز وجل، ومشاقة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>