للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدلة من السنة على تحريم الخمر]

ودل دليل السنة على تحريم الخمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما في الصحيح-: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) فهذا نص في تحريم الخمر، فكلمة (حرام) تدل على عدم جواز شرب الخمر، وعدم جواز تعاطيها.

كذلك أيضاً صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه لعن في الخمر عاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها، وآكل ثمنها، وشاربها، وساقيها، ومستقيها، وهذا من أبلغ ما يدل على تحريم الخمر؛ حتى قال بعض العلماء: ليست العبرة بقوله: (حاملها والمحمولة إليه، وشاربها وساقيها ومستقيها، وبائعها وآكل ثمنها، وعاصرها ومعتصرها)؛ إنما العبرة بكل من ساعد على الخمر، والأمر لا يتوقف عند هذه الأوصاف التي كانت موجودة في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، فكل من أعان على الخمر فهو ملعون، ومن هنا قالوا: من قال كلاماً يزينها أو يدعو إليها أو مجَّدها أو دفع أبناء المسلمين وشبابهم وأهل الفطرة من صغار السن والأحداث إليها؛ فإنه ملعون؛ لأن فعله هذا قد يكون أبلغ من فعل الذي يحمل أو يبيع أو يشتري.

فهذا كله تعظيم لحرمة الخمر؛ لأنها أم الخبائث، فقفلت السنة جميع الأبواب المفضية إليها تعظيماً لأمرها.

ولو ورد اللعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر جعلها العلماء من كبائر الذنوب، بل قال بعض العلماء: إنها من أكبر الكبائر، ولما روجع في هذا وقيل له: لماذا جعلتها من أكبر الكبائر؟ قال: لأنه إذا شرب الخمر لم يتورع عن أمر ولو كان من أعظم الأمور، وقد اتفق لبعضهم أنه ترك الصلاة، فدخلت عليه أمه ذات يوم وهو شارب للخمر والعياذ بالله! فأمرته بالصلاة، فما كان منه إلا أن حملها إلى تنور مسجّرٍ في البيت ورماها فيه، وهي تستنجد به وتناشده الله حتى هلكت، ثم إنه بعد شربه للخمر أغشي عليه، فلما أفاق وجد أمه -نسأل الله السلامة والعافية- في التنور فمات من ساعته، ومات والعياذ بالله! مدمناً على الخمر وشارباً لها، ومات وهو عاق لوالديه تارك للصلاة.

ومن شرب الخمر استدرج إلى كل قبيحة ورذيلة، ولا يزال يهوي في الرذائل حتى يمسي أو يصبح وليس في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان والعياذ بالله! فهي باب الشر والبلاء، وما فتحت المسكرات والمخدرات على أمة إلا دمرت تماماً، فذهبت فيها الغيرة والحمية، وقتلت الفطرة، وذهبت العقول التي هي نور الله ينير بها لعباده كما قال تعالى: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:٣٥]، فالنور الأول نور الوحي (عَلَى نُورٍ) وهو نور العقل؛ ولذلك لا يمكن للإنسان أن يصيب الهدى والرشاد إلا بهذين النورين: نور العقل، ونور الوحي نسأل الله عز وجل أن يرزقنا منهما، وأن يجعلنا من أهلهما.

فالخمر أساس كل شر وبلاء، قالوا: إنها من أكبر الكبائر لأنها تقود إلى كل شر، وإلى كل بلاء والعياذ بالله.

واتفق لبعضهم أنه دعته امرأة إلى الزنا والعياذ بالله! فامتنع، فاستدرجته حتى دخل البيت، فقالت له: إن لم تفعل الزنا فإنني أصيح في الناس، فخاف وامتنع، فقالت له: إذاً اشرب من هذا الكأس قليلاً وأدعك تذهب، فلا أدعك تخرج حتى تشرب من هذا الكأس، فشرب من الكأس والعياذ بالله! فلما شربها زنى بها والعياذ بالله! فوقع في الخمر ووقع في الزنا، فهي تقود إلى كل شر، قالوا: الخمر من أكبر الكبائر؛ لأنه لا يتورع صاحبها، وممكن أن يشرك بالله عز وجل، وممكن والعياذ بالله! أن يدعى إلى أخبث وأشنع ما يكون من معاصي الله وحدوده ولا يرعوي، ثم إنها تخلف في الإنسان ضعف العقل والدين، وضعف الغيرة وقلة الحياء، وضعف الخجل، إلى غير ذلك مما تورثه من الأضرار الدينية والدنيوية، ومن هنا قالوا: إنها من أكبر الكبائر، والصحيح أنها من كبائر الذنوب، وأكبر الكبائر ما نص الشرع على كونه من أكبر الكبائر، كما صح عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيح من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه وأرضاه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>