للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حد عورة الرجل والأمة]

قال المصنف رحمه الله: [وعورة رجلٍ وأمةٍ وأم ولدٍ ومعتق بعضها من السرة إلى الركبة].

هؤلاء كلهم عورتهم ما بين السرة إلى الركبة، وقد جاء في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: (ما بين السرة إلى الركبة عورة)، وقوله: (العورة ما بين السرة والركبة) بهذه الألفاظ، لكنه يأتي على وجهين: الوجه الأول: يأتي مقيداً بالصلاة، وهذا حسَّنه بعض أهل العلم.

والوجه الثاني: أن يأتي مطلقاً، وقد تكلم العلماء رحمهم الله على سنده وضعفوه.

وقال العلماء: أما بالنسبة للرجل فما بين السرة والركبة.

وأما السرة نفسها فقول الجماهير: إنها ليست بعورة.

والركبة نفسها عورةٌ في قول بعض العلماء، وليست بعورة في قول طائفة، وإن كان الأقوى أنها ليست بعورة؛ لأن التعبير بالبينية يُشعِر بأن الغاية خارجةٌ عن المغيا، كما هو معلوم في القواعد.

وبناءً على ذلك قالوا: إن الركبة كشفها لا يؤثِّر.

وقوله: (وأمة) أي: كذلك الأمة، قالوا: لمكان الغالبِ من انصراف النفوس عنها؛ لأن النفوس كانت تأنف من وطء الإماء والزنا بهن، وهذا في الغالب، وإنما كن يتبعن الحرائر، ولمكان تسخير الشَّرْع لهنّ بالرق لخدمة أسيادهن فخُفِّفَت عورتهن، ولذلك قالوا: إنها لا تستطيع القيام بحق أسيادها إلا إذا خرجت ودخلت في قضاء الحوائج والمصالح، فهي أشبه ما تكون بالرجل، فقالوا: عورتها عورة الرجل.

ولكن من أهل العلم رحمة الله عليهم من فرَّق بين الأمة الفاتنة وغير الفاتنة لاختلاف النساء في ذلك، وقال: إنه إذا كانت غير فاتنة فالحاجة غير داعية إليها، كما نبه عليه الإمام ابن قدامة رحمة الله عليه في المغني، ودرج على هذا القول، وهو قول الجماهير.

وإن كانت فاتنة قالوا: إنه لا يجوز لها الكشف ولو كانت أمةً، فإن بعض الإماء أشد فتنةً من الحرائر، وليس في دين الله الحكم بجواز وشرعية الشيء الذي يُفضي إلى محارم الله عز وجل، والوقوع في حدوده إلا ما استثناه الشرع من الضرورات.

وقوله: (ومُعتَقٌ بعضها) كالتي تكون نصفها حرة ونصفها أمة، فعورتها ما بين السرة إلى الركبة، قالوا: لأن الْمُعْتَق بعضها تُعتبر في حكم الرقيقة؛ لأن القاعدة أن اليقين لا يزول بالشك، وفرعوا على هذه القاعدة قاعدة تقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان، فالأصل أنها رقيقة، فإذا أُعتِق بعضها ترددت بين أن تُلحق بالحرة وبين أن تُلحق بالأمة، فروعي الأصل، ولأنه إذا تُرُدِّدَ بين الأضعف والأقوى فالأصل حمله على الأضعف حتى يدل الدليل على ما هو أقوى منه ولا دليل، فالْمُعْتَق بعضها تُنَزَّل منزلة الأمة، وليس منزلة الحرة.

وهكذا المكاتَبَة، فقد أضاف بعض أهل العلم رحمة الله عليهم أن المكاتَبَة مُنَزَّلَة منزِلة المعتق بعضها.

وقوله: [وأم ولدٍ] ذكر أم الولد لشائبة أنه طريقها إلى العتق.

وأم الولد: هي الأمة التي يجامعها سيدها فتلد منه، فإن هذه تبقى أم ولد، فإن مات سيدها عتقت، وبناءً على ذلك يقولون: إنها آيلة إلى العتق، فهل ننزلها منزلة الحرة أو الأمة؟ قالوا: تبقى على الأصل من كونها أمةً، فعورتها عورة من ذكرنا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>