للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الضابط في معرفة حرز المال]

قال رحمه الله: [وحرز المال ما العادة حفظه فيه]: أي: ما جرت العادة بحفظه في ذلك المكان، وهذه المسألة مبنية على قاعدة شرعية، تقول: (العادة محكمة)، وهذه القاعدة دلت عليها نصوص الكتاب ونصوص السنة، وأجمع العلماء رحمهم الله على حجيتها، فإن الله تعالى رد عباده إلى العرف، والعرف هو العادة، فإذا جرت العادة بشيء بين المسلمين حكمنا بهذه العادة، ويشترط دليل الكتاب، فمن أمثلة أدلة الكتاب: قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٢٨]، فرد الأمر إلى العرف، وقال تعالى: {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:٢٢٩]، فأمر بمعاشرة النساء بما جرى به العرف.

كذلك أيضاً السنة قال صلى الله عليه وسلم: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)، فردها إلى العرف.

والإجماع انعقد على اعتبار القاعدة التي تقول: (العادة محكمة)، فالعلماء مجمعون على العمل بها؛ لأن الشرع أطلق في أشياء وردها إلى العرف، فمثلاً: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يقبضه، بماذا يتحقق القبض؟ يختلف في الطعام في المكيلات، والموزونات، والمعدودات، والمذروعات؛ فإذا ألحقناها بالطعام فهذا القبض يرجع فيه إلى العرف.

أيضاً: قال صلى الله عليه وسلم: (من أحيا أرضاً ميتة فهي لها)، بماذا يتحقق إحياء الموات؟ نرجع إلى كل عرف بحسبه، وكل زمان بحسبه، في القديم قد يكون غرس شجرة واحدة يعتبر إحياءً، وفي القديم قد يكون وضع الحجر بعضه فوق بعض دون بناء إحياء، ولكن في زماننا: في المدن الإحياء له طريقة، وفي القرى له طريقة، وهذا يدل على أن الشريعة تعتبر العرف.

ويشترط في هذا العرف: أولاً: ألا يكون مصادماً للشرع، فليس هناك عادة نحتكم إليها إذا صادمت الشرع، وذكر العلماء لهذا أمثلة: فلو جرت العادة بمحرم كشرب المحرمات، لا نقول: إن العادة محكمة، فيجوز شرب المحرمات، وكذلك: لو جرت العادة بحلق اللحية لا نقول: يجوز حلق اللحية؛ لأن العادة جرت بها، فيشترط ألا تصادم العادة الشرع، ومن هنا قالوا: وليس بالمفيد جري العيد بخلف أمر المبدئ المعيد فإذا كانت العادة تخالف الشرع رددناها وعملنا بالشرع؛ لأن الله يحكم ولا معقب لحكمه سبحانه وتعالى.

ثانيا: ً أن تكون هذه العادة منضبطة، وكذلك تكون في الغالب أو الأكثر على خلاف عند العلماء فيما هو غالب أو أكثر.

الشاهد: أننا نرجع في العادة إلى قول أهل الخبرة، فإذا كان المال المسروق من البهائم سألنا أهل البهائم، كيف تحفظون بهائمكم؟ فالحفظ في القرى ليس كالحفظ في المدن، فإذا قالوا: نحن عندنا في بيئتنا أننا نضعها في الأحواش، وأن من يريد حفظ غنمه يضعها في هذه الأحواش، فوجدنا السرقة تمت من هذا المكان الذي يعتبر في العادة حرزاً لمثل هذا المال؛ فحينئذٍ يقطع السارق.

كذلك أيضاً: لو جرت السرقة في السوق، فسرق طعاماً من سوق الأطعمة، فنسأل أهل هذا السوق: ما هي عادتكم في حفظ هذا المال؟ فإذا قالوا: عادتنا أنه إذا جاء المزارع بهذا الطعام نفعل به كذا، ونحفظه في كذا، فحينئذٍ نعتبر الحرز الذي جرت به العادة، فيقول رحمه الله: (ما العادة بحفظه) أي: ما جرت العادة بحفظه، فالحرز نحتكم فيه إلى العرف والعادة، ومن هنا قالوا: يختلف باختلاف الزمان، والمكان واختلاف الجور والعدل في الأزمنة، فإذا كان الزمان زمان عدل فإن أقل حفظ حرز.

وإذا كان الزمان زمان فساد وجور وظلم، يحتاج الناس إلى حرز أمين، ولذلك بين العلماء والأئمة رحمهم الله اختلافه باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص.

<<  <  ج:
ص:  >  >>