للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مدة صلب المحاربين]

وقد اختلف العلماء في الصلب على وجهين: الوجه الأول: أنه غير محدد ولا مقدر.

الوجه الثاني: أنه محددٌ مقدر.

فالذين قالوا: إنه غير محدد، قالوا: يصلب حتى يشتهر أمره، وحينئذٍ لا يحدون بالزمان ولا بالصفة بأن يتغير أو يخشى تغيره أو نحو ذلك، بل يقولون: يجعل مصلوباً في داخل المدينة، وإذا كان الصلب في مكان الجريمة أبلغ في زجر الناس وتخويفهم، فيوضع في نفس مكان الجريمة، فالذي يراه القاضي أو الإمام أصلح وأمكن في زجر الناس وتخويفهم من حدود الله عز وجل والوقوع في محارمه فليفعله، فقد ورد عن الإمام أحمد أنه قال: يصلب حتى يشتهر أمره، ولم يحد في ذلك حداً، وهو قول بعض السلف.

وقال بعض العلماء: يصلب ثلاثة أيام، كما اختاره الشافعي وطائفة من السلف رحمهم الله.

والذين قالوا: حتى يشتهر أمره؛ قد يحصل اشتهار الأمر بنصف النهار، بأن يجتمع الناس كما في القرى الصغيرة وفي الأماكن المحدودة ويطلعوا على عقوبته ويتعظوا ويعتبروا ويتسامع الناس بذلك ويروه، فحينئذٍ إذا رأى ذلك كافياً أنزله وأعطي لأهله لكي يغسلوه ويكفنوه ويصلى عليه، فالمحارب المسلم لا زال له حق الإسلام، فبعد قتله وصلبه يعطى لأهله فيقومون بحقه من تغسيل وتكفينٍ وصلاة عليه.

والذين قالوا: إنه يصلب ثلاثة أيام: أجيب عنهم ورد قولهم بأن هذا التوقيت ينبغي أن يكون فيه نص من الشرع يدل عليه، وليس هناك دليل على أن الصلب لابد وأن يكون ثلاثة أيام، والأزمنة تختلف، ولذلك قد يصلب لمدة يومين وينتن، ويؤذي الناس برائحته، فيكون فيه أذية للأحياء، مع أن المقصود قد يتحقق بأقل من ثلاثة أيام.

ومن هنا فإن التوقيت بثلاثة أيام ضعيف، والصحيح ما اختاره بعض أئمة السلف رحمهم الله أن الصلب يكون حتى يشتهر أمره على الوجه الذي يردع الناس ويزجرهم، وهذا هو المقصود الشرعي من هذه العقوبة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>