للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم طاعة الوالد في تأخير زواج الولد مع حاجة الولد للزواج]

السؤال

إذا كان الشاب في حاجة ماسة إلى الزواج، وقال والده: اصبر بعد سنة أو سنتين، فهل يطيعه أم أنه يقدم على الزواج؟

الجواب

بالنسبة لهذه المسألة فيها جانبان: الجانب الأول: إذا كان يخشى الفتنة، وغلب على ظنه أنه قد يقع في الحرام؛ وجب عليه أن يقنع والده، ولا يجب عليه أن يسمع ويطيع لوالده، وليس هذا بمؤثر في البر إذا غلب على ظنه أنه سيقع في الحرام، ففي هذه الحالة يتزوج، ولكن يحرص على إقناع والده، وعلى رضا والديه؛ حتى يبارك الله له في زواجه.

وإذا أصر الوالد على موقفه، فعليه أن يشرح له بكل تفصيل، وإذا عجز عن إقناع والده؛ فليكلم أعقل الناس في أسرته، وأكثرهم تأثيراً على والده كإمام المسجد -مثلاً- أو يكلم رجلاً صالحاً يأتي إلى والده ويشرح له ظروفه، وأنه يخاف الفتنة، فإذا بذل كل هذا وأصر الوالد على موقفه، فإنه حينئذ يجوز له أن يتزوج.

وأما الجانب الثاني: أن يمكنه الصبر وأن يتحمل، فحينئذ يصبر، وإذا كان والده طلب منه الصبر، فلعل في تأخير الزواج خيراً له من الله عز وجل، فيرضى برأي والده ووالدته، فيصبر ويتصبر.

وهنا تنبيه: بالنسبة للزواج هو سنة، ولكن لو أن كل طالب علم يأتي ويقول لوالده: أخاف الفتن، فإن الوالدين لهما هدف بتأخير الزواج، خاصة وأن الوالدين هما اللذان سيتحملان مسئولية الزواج، ففي بعض الأحيان قد تقع ظروف مالية فيخشى الإحراج فيها ويخشى أن يتحمل الدين، فإذا أمكن الابن أن يرفق بوالديه، وأن يتقبل من والديه تصبيره فليصبر، وهذه الفتن التي يخاف منها ما تأتي إلا لمن يشتغل بها.

طالب العلم أو الإنسان في دراسته، إذا أقبل على العلم واشتغل بالعلم وأعطى العلم كليته بارك الله له، وصرف الله همته حتى يأتي الوقت المناسب لزواجه ما دام أن والديه يريدان منه أن يؤخر الزواج، فحينئذ ينال العلم، وينال رضا والديه.

وأما أن يقول دائماً: أنا في فتن، أنا في فتن ويكبر الأمر، فمن كبر الفتنة كبرت عليه، وعلى طالب العلم أن يشتغل بما يفيده قدر المستطاع، وطالب العلم إذا حرص على أن يكون في نهاره مراجعاً للعلم مذاكراً له، وفي ليله أن يكون له قسط من قيام الليل، ويستعين بعد الله بالصيام؛ كصيام الإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر؛ فلن تبقى أمامه فتنة، وهذه الأمور إذا أعرض عنها تعرض عنه، ولكن إذا ذهب يشتغل بها ثم يقول: عندي فتن عندي فتن، أنا لا أستطيع أن أصلي، وقد يكون في المسجد الحرام! أخي اذهب وغض بصرك، واشتغل بما يفيدك، جرب واخرج من بيتك وأنت تتلو القرآن واشتغل بمعاني القرآن، وانظر هل تجد فتنة أو لا، إذا كان هذا الطريق فيه فتن فهناك طريق آخر ليس فيه فتن.

والإشكال أن البعض يضخم هذا الأمر ويحاول أن يدخل أو يقحم على نفسه الفتنة، فمن المجرب أن من اشتغل بما ينفعه وبما يفيده وانصرفت كليته لله، لا يجد ألم ولا ضرر هذه الفتن، وهل تجد نفساً زاكية راضية مطمئنة لكلام الله وكلام رسوله مشتغلة بذكر الله عز وجل تصيبها فتنة، حتى لو أصابته فتنة فعليه أن يستغفر فيحفظه الله عز وجل، وأن يستعيذ فيعيذه الله عز وجل.

فعلى طالب العلم أن يكون كما ينبغي أن يكون عليه طالب العلم، ولا يعني هذا التقليل من أمر الزواج أو صرف الناس عن الزواج، فالزواج خير وبركة وسنة، ولا يلتفت لمن تركه ولو كان من أعلم الناس، وعليه أن يتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكما قال الإمام مالك: ليس كل الناس يستطيع أن يبدي عذره، فالإنسان يبحث عن السنة ويبحث عن العفة ويبحث عما يصونه، ويحصن فرجه، ولكن لا يبالغ في قضية الفتن، فالفتن حصاد لمن اشتغل بها، ومن قرب منها.

نسأل الله بعزته وجلاله أن يصرفنا عنها وأن يسلمنا منها ومن أهلها، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>