للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم تأخر الإمام عن المجيء إلى المسجد إلى وقت الإقامة]

السؤال

هل السنة لإمام المسجد أن يأتي بعد الأذان مباشرة أو ينتظر في بيته إلى وقت الإقامة؟

الجواب

إذا كان بيته قريباً من المسجد مثل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل وقت الصلاة، تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، يتأول السنة وحينئذ فلا بأس، وإذا كان بعيداً من المسجد، ولا يأمن زحمة الطريق، ولا يأمن التأخر عن الجماعة وإضرارهم فبكر فلا بأس بذلك ليحتاط للمسلمين.

وهنا مسألة ننبه عليها: وهي أن الأئمة والمؤذنين عليهم مسئولية عظيمة، ولذلك تحد الناس في كثير من المساجد تتألم من حال الإمام في عدم دخوله إلى الصلاة إلا متأخراً، ومتعجلاً في مبادرته بالخروج، والمنبغي تحري السنة.

فكون الإمام مثلاً يأتي قبل الأذان، ويتفقد أحوال مسجده، ويحس بالأمانة والمسئولية، ويجلس في المسجد ليقرأ القرآن، ويصلي، ويحيي في الناس الخير فذلك حسن.

النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل وقت الصلاة، لكنه كان يجلس في المسجد، وكان يعلم الناس في المسجد، ويحرص على الجلوس في المسجد، وكثير من الأحاديث رويت عنه في مجالسه في المسجد صلوات الله وسلامه عليه، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (إن إخواني من الأنصار كان يشغلهم الصفق في الأسواق، وكنت رجلاً أصحب النبي صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، أشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا) فالأفضل للإمام أن يكون على حال وسمت يعطي الهيبة والمكانة للإمامة، وبالأخص المؤذنين أيضاً؛ لأن بعض المؤذنين يأتي متأخراً عن الأذان، وبعد أن ينتهي من الأذان يخرج من المسجد، وبعضهم يخرج ويجلس يتحدث مثلاً في مكان قريب من المسجد، وإن تيسر دخل بيته، وإن تيسر شرب القهوة في بيته حتى يأتي الوقت! ماذا نقول للناس؟! والله إنه شيء يؤذي جداً إذا لم يشعر المسلمون بعظم هذه الشعيرة العظيمة وهي الصلاة.

وهل هانت الأمة وذلت إلا لما هانت شعائرها، وحينما كان يصلي بالناس الأئمة والعلماء والفضلاء كانت الأمة في أوج عظمتها وعزها وكرامتها، وأما اليوم فيبلغ ببعض المساجد أن يحضر وقت الأذان -وقد رأيت ذلك مراراً وتكراراً- ويدخل الذي يكنس في الشارع لكي يؤذن الأذان؛ لأن المؤذن وصاه جزاه الله خيراً حتى لا يضيع الوقت، ولا تسأل عن اللحن، ولا تسأل عن الكلمات المحرفة، وقد يكون أذاناً باطلاً من اللحن الذي يحيل المعنى، وكل هذا ولا أحد يبالي! ونحن نريد عزة وكرامة للأمة، فإذا كان أعز شيء في دينها بعد العقيدة الصلاة، والأمة بهذا الحال إلى درجة أن الإنسان مؤذناً أو إماماً لا يبالي بمسئوليته وأمانته، فلما أصبحت هذه الشعائر ليس لها مكانة في القلوب ضاعت.

إذا كان بيت الإمام قريباً من المسجد فينبغي أن يدخل وقت الصلاة، والأفضل أن يكون له مجالس بين الفترة والفترة لأهل الحي ينصحهم ويوجههم ويسمع ما عندهم من أحوال، يجلس معهم ويؤانسهم ويباسطهم تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان بيته بعيداً فيأتي مبكراً ليحتاط للصلاة، انظر إلى إمام يؤذن الأذان وهو في المسجد! انظر إليه قارئاً لكتاب الله، وانظر إليه متأثراً بالقرآن الذي يقرؤه، أو قائماً يصلي ويذكر! وتخيل وأنت من صغرك في مسجد ترى إمام مسجدك بهذه الصفة: تالياً لكتاب الله، مبكراً للصلوات، محسناً ومتقناً فيها، محافظاً على كمالها وعلى أفضل الأحوال فيها، وقد لا يؤذن الأذان إلا وهو في المسجد، كيف يكون حالك؟ كيف يكون نظرك لهذه الإمامة وهذا الإمام؟ سيكون الحال أنه إذا أمرك أطعته، وإذا جاء على المنبر يقول: اتقوا الله سمعت له، وإذا نصحك رضيت نصيحته, وإذا أردت أن تستشيره في أمر تباركت بعد فضل الله عز وجل به، فكونه مستقيماً على خير؛ يجعل الله الخير على لسانه، فمثل هذا الإمام المبارك هو الذي يكون إماماً بحق، أما إذا كان بعيداً عن المسجد وقال: أنا أريد أن آتي على وقت الإقامة، فلا بأس، ما دام أنه يحفظ للناس وقت صلاتهم، المهم ألا يضيع على الناس وقت صلاتهم، هذا هو المطلوب.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>