للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المظهر الثاني: جحد الربوبية والوحدانية لله تعالى]

قال المصنف رحمه الله: [أو جحد ربوبيته أو وحدانيته] فلو قال: إن الله ليس برب.

وهذا ما يعتقده الدهريون وأهل الطبيعة الذين يقولون: لا يوجد رب لهذا الوجود! والحياة أوجدت نفسها، والطبيعة هي التي أجرت الأنهار والرياح، وهي التي أخرجت الثمار، وهي التي والتي فكل شيء للطبيعة، حتى إنك تجد من بعض المسلمين من يقول: من خيرات الطبيعة! أي طبيعة يزعمون؟ أفٍ لهم ولما يدعون.

وصدق الله حيث قال: {وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء:٦٧] يخلقه ربه ويطعمه ويسقيه، ثم يزعم أنه لا رب ولا خالق لهذا الوجود، فهؤلاء لا يريدون أن ينسبوا المخلوقات لخالقها سبحانه، والله يقول: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [فاطر:٣]؟

الجواب

لا، فلا خالق إلا هو سبحانه، وهم يقولون: الطبيعة.

بل انظر كيف ينزل ذلك الكفور إلى مستوى الحضيض، حيث يكرمه ربه فيهين نفسه، ويرفعه ربه فيضع نفسه، فالله عز وجل يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:٧٠] ويأتيك بالحق على أجمل وأجل وأكمل ما يكون من إتيان، فيبين لك أن الله خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد لله ملائكته، فكرمه وشرفه وفضله فيقول سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:٧٠] ثم يأتي الشقي التعيس المنكوس ويقول: إن الإنسان أصله قرد! أي حضيض وصل إليه؟ {وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء:٦٧]، {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:٧٢] هذه الجاهلية وهذا الهبوط من الكفران.

ثم بين الله سبحانه وتعالى في نصوص الكتاب أنه خلق الخلق فأحصاهم عدداً، وأنه قسم أرزاقهم فلم ينس منهم أحداً، وأنه تولى أمورهم فرداً فرداً، جل جلاله وتقسدت أسماؤه، فإذا بهم يشرِّكون بين المخلوق والخالق، وإذا بهم يصرفون أبناء المسلمين عن هذه الفطرة إلى الكفر بأساليب شتى، وألاعيب مكذوبة وأغاليط لا تنطلي إلا على السذج، وأهواء وترهات لا تعقل، حتى إن الأرزاق التي وضعها الله عز وجل وسخرها لعباده ولإمائه ولخلقه في هذا الكون كان الأصل أن تصرفهم إلى الاعتقاد بالله، لا للاعتقاد بغير الله، وإليكم مثال بسيط على ما سبق: يقولون وهم يتحدثون عن تاريخ البترول: إنه منذ ألف مليون سنة كان هناك حيوان يقال له: الديناصور -معروف طبعاً أن الديناصور انقرض- ثم توالت عليه أطباق الأرض فمات، وبفعل الحرارة ثم بفعل الضغط.

إلخ فانظر ما عندهم من قياسات، وبالإمكان أن يعطوك عدد الأطباق التي نزل إليها هذا الديناصور حتى أصبح بترولاً.

إن الإنسان إذا جاء يكذب يأتي بشيء يستساغ كما يقولون، فالديناصور من ذكائه ما وجد مكاناً يموت فيه إلا في الخليج، أو في عرض البحر، هم يقولون كل شيء إلا أن يقال: إن الله خالق كل شيء، ويجوز عندهم كل شيء إلا أن يصرف حق الله لله وحده لا شريك له، هذا حتى يعلم الإنسان مدى تمرد الكافر على ربه والعياذ بالله! وانظر إلى التشريف والتكريم الذي يكرم الله عز وجل به بني آدم، وانظر كيف ينصرف المخلوق عن خالقه، يعمل مع الشياطين {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ} [الأنعام:٧١] فهو في الحيرة والضلال والحضيض؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:١٨] فكل من كفر بالله، وجحد ربوبية الله عز وجل، أو جحد حقاً من حقوق الله عز وجل ليذيقنه الله الذلة والصغار، حياً وميتاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يأذن أن يصرف حقه عنه جل جلاله.

فهم يقولون: لا يوجد خالق! -والعياذ بالله- وكل شيء يلقن إلى أبناء المسلمين على أن الأشياء كلها طبيعة، وأنه ليس هناك إله، ومن هنا جاءت العناية في دعوة هؤلاء، والعناية بنصوص الكتاب والسنة، ومن أعظمها نصوص الآيات الجميلة الجليلة البديعة -وكل آيات الله جميلة جليلة بديعة- التي أخذت بمجامع القلوب في القرآن، فلفتت نظر الإنسان إلى السماء فوقه، وإلى الأرض تحته، وإلى الأشجار والثمار والأنهار والرياح المرسلة التي تسبح بحمد ربها، والسحاب المسخر بين السماء والأرض، تسبح بحمد ربها وتقدس له جل جلاله {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء:٤٤].

فمن جحد ربوبيته يقول: ليس هناك خالق، ولا رازق، وينفي عن الله عز وجل أنه يخلق الخلق، أو يرزقهم، فإذا جحد بالربوبية كفر بالله عز وجل، وحكم بردته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>