للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحقيقة اللغوية ومتى يرجع إليها في اليمين]

قال رحمه الله: [والحقيقي هو الذي لم يغلب مجازه على حقيقته].

الحقيقي في اللغة: هو الذي لم يغلب مجازه على حقيقته اللغوية، كالسماء والأرض، فهذه حقائق تنطبق على أشياء.

مثلاً: اللحم حقيقة يطلق على اللحم، ولا ينصرف إلى غيره إذا أطلق، وهذا لا إشكال في اعتباره، فلو قال: (لا آكل اللحم) حكمنا بأنه يحنث بأكل اللحم، أياً كان هذا اللحم، فيكون اللحم شاملاً للحم الأنعام ولحم الطيور ولحم الأسماك، فإذا أكله حنث، وتتقيد هذه الحقيقة بدلالتها.

[كاللحلم فإن حلف لا يأكل اللحم فأكل شحماً أو مخاً أو كبداً أو نحوه لم يحنث] لأن الكبد والشحم والمخ هذه ليست بلحم؛ فإن العرب إذا قالت: اللحم، فإنه لا يشمل الكبد ولا المخ ولا الشحم، وقد يستشكل البعض هذا، ويقول: إن الله عز وجل قال في المحرمات: {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} [الأنعام:١٤٥] نقول: هذا لا إشكال فيه؛ لأنه عبر بالجزء وأراد الكل؛ لأن الذي يأكل الخنزير في الأصل إنما يأكل اللحم، وجعل ما بعده تبعاً له.

فالشاهد من هذا: أن اللحم إذا أطلق فالمراد به اللحم المعروف، ولا يشمل الشحم وبقية الأجزاء التي ليست بلحم حقيقة؛ فإن اللحم له حقيقة، والشحم له حقيقة، والكبد لها حقيقة، الطحال له حقيقة، فإذا قال: لا آكل الكبد فهذه حقيقة تتقيد بالكبد، وإذا قال: والله لا آكل اللحم، فهذه حقيقة تتقيد باللحم.

[وإن حلف لا يأكل أدماً حنث بأكل البيض والتمر والملح والخل والزيتون ونحوه وكل ما يصطبغ به] إذا قال: والله لا آكل ولا أطعم الإدام، والأدم هو: كل ما يؤتدم به، فإنه يحنث به إن أكله، سواء كان من المربى أو الملوخية أو اللوبيا أو الفاصوليا أو الخضار أو غيرها من المطاعم مما يؤتدم به، فكل ما يؤتدم به، تصدق عليه هذه الحقيقة اللغوية الجامعة في دلالتها على هذه الأشياء، فيحنث بها.

[ولا يلبس شيئاً فلبس ثوباً أو درعاً أو جوشناً أو نعلاً حنث] لأن أصل اللبس الدخول في الشيء، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: (لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف) وجعل هذا لبساً، فلو قال شخص: والله لا ألبس، فإنه يحنث بكل شيء يكتسي به، ويضعه على بدنه ويدخل فيه، فإذا قال: والله لا ألبس الثوب.

فإنه بمجرد دخوله فيه يحنث.

لكن لو أنه وضع الثوب على كتفيه لم يحنث؛ لأنه لا يصدق عليه اللبس، مثله مثل المحرم، لو أن محرماً أخذ ثوباً ووضعه مثل الإحرام، لم تجب عليه الفدية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تلبسوا القمص ولا العمائم) الذي يشمل أعلى البدن، ثم قال: (ولا السراويلات) الذي يشمل أسفل البدن ثم قال: (ولا البرانس) فشمل أعلى البدن وأسفله، فإذا حصل الدخول حصل الإخلال وإلا فلا.

[وإن حلف لا يكلم إنساناً حنث بكلام كل إنسان] إذا قال: والله لا أكلم إنساناً.

فإن هذه نكرة عامة تشمل كل إنسان، سواءً كان مجنوناً أو كان عاقلاً صغيراً أو كبيراً ذكراً أو أنثى؛ لأن الحقيقة اللغوية تشمل هذا كله.

[ولا يفعل شيئاً فوكل من فَعَلَهُ حنث إلا أن ينوي مباشرته بنفسه] إذا قال: والله لا أعطي فلاناً ثم وكل شخصاً -والوكيل ينزل منزلة الأصيل، والفرع آخذ حكم أصله- وقال له: يا فلان اذهب واعط فلاناً أو قال لابنه: يا محمد اذهب وأعط فلاناً هذا المبلغ حنث؛ لأن عطاء الوكيل عطاء من الأصيل، وهو تابع للأصل فيحنث به.

<<  <  ج:
ص:  >  >>