للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وصية جامعة لما ينبغي على طالب العلم تجاه العلماء]

نسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وكماله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل ما تعلمناه وعلمناه خالصاً لوجهه الكريم.

وأحب أن أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، وخاصة طالب العلم الذي يجب عليه أن يتقي الله عز وجل، وأن يستشعر المسئولية والأمانة، فإن هذه المسائل وهذه الأحكام حجة للإنسان أو على الإنسان، وما من شيء أفضل ولا أعظم بعد الإيمان بالله من العلم النافع، فإن الله سبحانه وتعالى جعل هذا العلم لأوليائه وصفوته من خلقه بعد أنبيائه، فما من أحد يأخذه بحقه ويقوم بحقوقه، إلا رفع الله شأنه وأعزه، ويسر أمره، وشرح صدره، وجعل له من حسن العاقبة والتوفيق ما لم يخطر له على بال.

ووالله إن في العلم جنة في الدنيا قبل جنة الآخرة يعرفها من يعرفها، وهم الذين استقاموا على الطريقة، واستقاموا على طاعة الله، ووفوا بعهد الله عز وجل.

واعلم رحمك الله! أن أي مجلس علم تجلسه أو تسمع فيه، أول ما يجب عليك أن تحمد الله وتشكره أن قيض لك هذا العلم.

الأمر الثاني: أن تعتقد فضل أهل العلم أحياءً وأمواتاً، فتترحم على علماء المسلمين، وتترضى عليهم، وتذكرهم بالجميل، وتعلم أنه ما وقف عالم بين يديك ولا معلم بين يديك إلا بفضل الله ثم بفضل هؤلاء الأئمة من دواوين السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان، نفعاً لهذه الأمة وتعليماً لها، فاحفظ حق العلماء عليك، فإن الله سبحانه وتعالى نزع البركة ممن لا يحفظ حق من علمه، وبالأخص علماء السلف، فاعتقد حبهم وتعظيمهم وإجلالهم.

وعلى المسلم أن لا يصغي بسمعه إلى من ينتقصهم ويذمهم ويتتبع عثراتهم؛ بل ينظر إلى كنوز العلم كيف تناثرت بين يديه، وكلمات هؤلاء العلماء شموس الدجى وأنوارها بفضل الله عز وجل كيف كانت بين يديك، ووالله ثم والله ما صيغت هدراً ولا عبثاً، ولو علمت كم كابدوا من المشاق، وكم عانوا من المتاعب والصعاب؛ لعلمت أن فضلهم عليك بعد فضل الله عظيم.

يا هذا! أي علم ينثر بين يديك، وأي قول يقال لك فتصغي إليه بسمعك أو يعيه قلبك، لو علمت فضله وعلمت حقه وعلمت منزلته، لقمت بحقوقه، وحفظت نفسك وصنتها، وكنت كما ينبغي أن يكون عليه طالب العلم من الوفاء.

فلابد أن يفي المسلم لعلماء المسلمين، وأن يعتقد فضلهم، وأن يتعود دائماً على ذكرهم بالخير، ووالله ثم والله أن من أعظم الأسباب التي وجدناها بعد توفيق الله هو فهم كلام العلماء وضبطه وإتقانه، وسأشهد بين يدي الله بتعظيم أهل العلم، فطالب العلم الذي يتعود احترام كلام العلماء، ويقرأ الكلمة أو يسمع في مجلس عالم يوثق بعلمه كلاماً، ويتلقاه بالقبول، ويبدأ بتفكيك هذا الكلام وفهمه، فإنه يفتح عليه ويبارك له، ويبدأ من منطلق القبول لا من منطلق الرفض؛ لأن الأصل أن الجاهل يتقبل، بخلاف طالب العلم بمجرد أن يجلس يقول: لماذا هذا؟ أو لماذا قال هذا؟ فأولاً: افهم ما يقال لك، وابحث عن دليله، وينبغي عليك أن تتلقى العلم بالوعي والفهم، ثم بعد ذلك يؤهلك الله إلى مرتبة المناقشة؛ لأن الجاهل يتعلم قبل أن يتكلم، فليحفظ كل طالب علم مكانته، وننبه على هذا؛ لأن من طلاب العلم من إذا تعلم شيئاً تكلم على أهل العلم، فتجده يقرأ في الكتب، ويقول: لقد حضرت زاد المستقنع، ثم بمجرد أن يقرأ شيئاً لا يعرفه ولم يقرأه على شيخه يبدأ بنقضه وهدمه، فعليه أن يتقي الله عز وجل حتى لا يكون علمه وبالاً عليه، ومن جاء ناقداً رجع فاقداً، والمحروم من حُرم، وأعظم الحرمان حرمان العلم، وأعظم النفحة والمنحة والعطية عطية العلم، ولذلك فعلى المسلم أن يعتقد فضل العلماء من السلف الصالح، فهذه الكتب لو كنت تعلم أي زمان كتبت فيه، لقد كتبت حينما كانوا يتغربون ويسافرون عن أوطانهم وبلدانهم، وهم في جوع وشدة وخوف ورهبة وضنك لا يعلمه إلا الله عز وجل.

يا هذا! إن وجدت شرحاً واضحاً لعبارة فاعلم أنها ما صدرت من العالم إلا ووراء ذلك أمور، وراءها مرضات الله عز وجل، فما وضعها لك في الكتاب إلا وهو يرجو رحمة الله، وما وضعها لك في الكتاب إلا وهو ناصح لك، وما وضعها لك في الكتاب إلا لعلك أن تذكره بعد موته فتترحم عليه، وتستغفر له، لعلك أن تذكره بالجميل، فهذا الكتاب الذي تحمله لكل درس، وهذا المتن الذي نشرحه، أسألك بالله كم ترحمت على العالم الذي ألفه؟ وكم ذكرته؟! فالله الله، إن من أهل العلم من كان لا يجلس مجلساً إلا استغفر لمن كان له فضل في علمه، ولو كان كلمة أو حرفاً، ومن حفظ العهد بورك له، وإذا أردت أن ترى ذلك فافعل وسترى، وهذا شيء وصى به العلماء رحمهم الله.

وهذا الذي تراه من الاحتقار لأهل العلم، وهذا الذي تراه من الغفلة في حمل الكتب إلى مجالس العلماء والجلوس بين أيديهم، إنما هي غفلة الغافلين، وسهو الساهين، فلا تكن من الذين لا يوقنون، ولا تكن من الذين لا يعلمون، بل عليك أن تحس بالحق الذي عليك، إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برد المعروف بأفضل منه: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه)، فكيف بمعروف يقود إلى جنات عدن؟! وكيف بمعروف ترقى به أعلى المنازل؟! وكيف بمعروف تتكلم به فيسكت الناس لك؟! وكيف بمعروف تتبوأ به الدرجات العلى من الجنة؟! كيف تكافئ أهله؟! أقل ما يكون بالدعاء والترحم، والذكر بالجميل، والترضي.

وما أدركنا أهل العلم إلا على الأدب، ما أدركناهم إلا على حفظ العهد.

ووالله ثم والله كم يتقرح قلبي وكم يتألم حينما أرى أُناساً من خيار طلبة العلم تمنيت أن لو عاشوا الأزمنة التي عشناها، ورأوا من رأينا من أهل العلم، وكيف كان أهل العلم على الترحم والترضي وذكر العلماء بالجميل، وما كنا نسمع اللمز والغمز والاحتقار ونسيان أهل الفضل، فهذه الجرأة العظيمة، والكلمات الساقطة الهابطة التي تنزع ثقة الناس من علمائها، أعرض عنها؛ لأن الله أمرك بالإعراض عن الجاهلين.

وإياك ثم إياك أن تستخف بحقوق العلماء، خاصة سلف الأمة، وإياك أن تضيق عليك الدنيا حتى لا تجد إلا مثالب العلماء، ومناقص العلماء، وعيوب العلماء، ووطِّن نفسك إن أحسن الناس أن تحسن، وإن أساءوا أن تجتنب الإساءة وتترفع، وليكن هذا العلم قائداً لك إلى مرضات الله، لكن الثمن غالياً، وذلك أنك لن تكون بإذن الله على ذلك إلا بعد توفيق الله عز وجل أولاً وآخراً.

وثانياً: أن تحرص على أن تستشعر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) بهذه المشاعر نحب ولكن ليس هناك دلائل تدل على الحب، نحب السلف لكن ما الذي قدمناه؟ ولذلك ينبغي على طالب العلم أن يكون غيوراً، فلا يقبل من أحد أن ينتقص علماء الأمة، وأن يزري بهم، ولا يتقبل ذلك أبداً؛ لأن الزمان قد فسد وأصبحت هناك غربة، ولن يكون الدين غريباً إلا إذا أصبح العلماء غرباء، فطوبى للغرباء، اللهم ارحم غربتنا! اللهم ارحم غربتنا! نسأل الله بعزته وجلاله أن يتولانا برحمته، وأن يشملنا بعفوه ومنه، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت نسألك في هذه الساعة أن تسبغ رحمتك ومغفرتك التامة الكاملة على قبور من علَّمنا وأدبنا، وأحسن إلينا من مشايخنا ومن علماء المسلمين وممن استفدنا من علمه، اللهم اغفر لهم وارحمهم، اللهم اغفر لهم وارحمهم، اللهم نور قبورهم، اللهم نور قبورهم، اللهم نور قبورهم، وكفر سيئاتهم، وتجاوز عن خطيئاتهم، اللهم اجعلهم في الفردوس الأعلى في الجنة، بفضلك العظيم لا إله إلا أنت، اللهم فاجزهم عنا خير ما جزيت معلماً في تعليمه، ومؤدباً في تأديبه، ومرشداً في دلالته، يا حي يا قيوم ارفع درجاتهم، وكفر خطيئاتهم، واجعل لهم أعظم الأجر والثواب في العقبى والمآب، يا سريع الحساب، يا من لا إله إلا أنت.

اللهم عظم حقهم، ولا نستطيع الوفاء بحقوقهم فأعنا ويسر لنا ذلك، اجعلنا ممن وفى وبر، اللهم اجعلنا ممن وفى وبر، اللهم اجعلنا ممن وفى وبر، اللهم أحسن الخاتمة لأحيائهم، اللهم أحسن خاتمة أحيائهم، اللهم أحسن خاتمة أحيائهم، واجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، وأجزهم عنا أحسن الجزاء يا فاطر الأرض والسماء.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم فرج كروبهم، اللهم نفس كروبهم، وفرج همومهم وغمومهم، واشرح صدورهم، ويسر أمورهم، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، نستغفر الله ونتوب إليه، نستغفر الله ونتوب إليه.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>