للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تكبيرة الإحرام]

قال رحمه الله تعالى: [ويقول: (الله أكبر)، رافعاً يديه].

أي: يقول المصلي إذا أراد الدخول في الصلاة (الله أكبر)، وهذا التكبير يسمّى عند العلماء رحمهم الله بتكبيرة الإحرام، وسبب تسميته بذلك ظاهر السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث أبي داود والحاكم بسندٍ صحيح: (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير)، فوصف التكبير بكونه موجباً للدخول في حرمات الصلاة، فسمّى العلماء هذا التكبير بتكبيرة الإحرام؛ لأن المصلّي إذا كبر دخل في حرمات الصلاة، وهذا التكبير للعلماء فيه ثلاثة أقوال: القول الأول: لا يصح لك أن تدخل الصلاة نافلةً أو فريضة إلا إذا قلت: (الله أكبر) وحدها، فلا يجزي غير هذا اللفظ، لا المشتق منه ولا من غيره، ولو اشتمل على تعظيم الله، فلو قال: الله العظيم، أو قال: الله الكبير، أو: الله الأكبر لم تنعقد تحريمته، وكذلك لو اختار لفظاً فيه تعظيم من غير المشتق، كقوله: الله القدوس، الله السلام، الله المهيمن، فإنه لا ينعقد تحريمه، وهذا مسلك الحنابلة والمالكية رحمة الله عليهم، وهكذا لو قدّم: (أكبر) على لفظ الجلالة، فقال: أكبر الله، فإنه لا يصح ولا ينعقد تحريمه، والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر)، وكبر معناها: قل: الله أكبر.

وهو المعهود في أذكار الشرع في الدخول إلى الصلاة، بدليل ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام من تكبيره في الدخول إلى الصلاة، فهذا أمرٌ.

الأمر الثاني: أنه لم يثبت حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بالعدول عن هذا اللفظ المخصوص، والصلاة عبادةٌ مخصوصة، وأذكارها مخصوصة، فلا يصح أن يجتهد المكلف بإدخال ألفاظٍ قريبة من اللفظ المشهور.

الأمر الثالث: أنه لفظ مخصوص في موضع مخصوص لم يشرع إحداث غيره أو قريبٍ منه كالتشهد، أي: كما أن التشهد لا يجزي إلا باللفظ الوارد، كذلك تكبيرة الإحرام لا تجزي إلا باللفظ الوارد.

فهذه الأوجه كلها تدل على لزوم التكبير.

وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه يجوز للمصلي أن يدخل بأي لفظٍ دال على تعظيم الله عز وجل وذكره، واستدل بقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:١٤ - ١٥]، فقال رحمه الله: إن الله عز وجل قال: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} [الأعلى:١٥]، فمن ذكر اسم ربه عند بداية صلاته أجزأه ذلك وصحت صلاته، فلو قال: الله العظيم أجزأه وانعقد إحرامه وانعقدت تحريمته.

وذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى موافقة الإمام أحمد ومالك، ولكن قال: يجوز إذا كان من لفظ (أكبر)، فقوله مثلاً: الله الأكبر تنعقد به التحريمة، فالمشتق كالكبير والأكبر قالوا: ينعقد به إحرامه، وأما بغير ما اشتق منه فلا ينعقد إحرامه.

والصحيح أنه لا بد من ذلك اللفظ المخصوص، وهو لفظ التكبير، والجواب عن دليلهم أنه مطلق مقيد.

كما أن الآية التي استدل بها الإمام أبو حنيفة رحمه الله في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:١٤ - ١٥] الصحيح أن المراد بقوله تعالى: (قد أفلح من تزكى)، أي: زكاة الفطر ليلة العيد، (وذكر اسم ربه) أي: أكثر من التكبير ليلة العيد فصلّى صلاة العيد، والمراد بذلك أنه على فلاح بانتهائه من فريضة الله عز وجل وهي الصيام.

فالمقصود أن هذه الآية يجاب عنها من وجهين: إما أن يقال: إنها خارجة عن موضع النزاع، والمراد بها صلاة العيدين.

وإما أن يقال: إنها مطلقةٌ مقيدة، والقاعدة أن المطلق يُحمل على المقيد، ولا تعارض بين مطلقٍ ومقيد.

وقوله رحمه الله: [يقول: الله أكبر] أي: يقول بلسانه: الله أكبر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>