للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مشروعية صلاة الضحى والمداومة عليها]

السؤال

هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على صلاة الضحى أم لا؟ وهل المداومة عليها من السنة، أم نصلي بعض الأيام ونترك بعضها؟

الجواب

صلاة الضحى ورد فيها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وغيره من الأحاديث التي تدل على مشروعيتها وسنيتها، وكون عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ينكرها وغيره من الصحابة فإن من حفظ حجةً على من لم يحفظ، وكم من سنن خفيت على الأفاضل من كبار الصحابة، كما ثبت عن عمر رضي الله عنه في الصحيح أنه لما نزل بالشام أُخبر بخبر الطاعون -طاعون عمواس- فامتنع من دخول الشام، فقال له أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله؟ فقال رضي الله عنه وأرضاه: (نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله?!) فبيَّن له أن هذا من الأسباب، وليس له علاقة بالفرار ما دامت عقيدته في الله عز وجل وأخذ بالسبب، فلا حرج عليه، ثم قام في الناس فقال: أُحرّج على من كان عنده خبر من هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعلمنا أو يخبرنا.

فقام عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وقال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه)، فحمد الله على موافقته للسنة.

فهذا يدل دِلالة واضحة على أنه قد تكون السنة خافية على كبار الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فكيف بـ ابن عمر رضي الله عن الجميع وأرضاهم؟! وإن كان ابن عمر له فضله ومكانته وعلمه وورعه رضي الله عنه، ولكن المقصود أن كون ابن عمر لا يراها لا يدل على نفيها، فهي ثابتة، ومن السنة فعلها.

والأصل أن ما جاء على الإطلاق لا يُقيد إلا بدليل، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بها أبا هريرة رضي الله عنه، ويوصيه بها فإنها سنةٌ ثابتة، فتبقى سنة ثابتة حتى يدل الدليل على التقييد بفعلها تارة أو تركها تارة.

ويبقى النظر: هل فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم أو لم يفعلها؟ فهذا مما سكتت عنه الأخبار، وليس عندنا دليل يثبت أنه كان يصلي ركعتي الضحى، وليس عندنا دليل ينفي ذلك.

والقاعدة أنه إذا لم يرد ما يوجب النفي وما يوجب الإثبات رُجِع إلى الأصل، فلما كان الأصل عندنا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بها على الإطلاق نبقى على هذا الإطلاق، ونقول: هي سنة.

فلو قال قائل: كيف ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مداومته؟ قلنا: ولو ثبت عنه أنه تركها فإنه لا يعتبر دليلاً على نفي المداومة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك العمل وهو يحب أن يفعله خشية أن يُفترض على أمته، كما ثبت في الحديث الصحيح.

وبناءً على ذلك نقول: السنة المداومة عليها للإطلاق، ولا حرج على الإنسان أن يداوم عليها، وهو على خير.

كما أنه ثبت في الحديث الصحيح ما يدل على تقوية هذا القول من قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، فصلاتهم هذه معناها أنه أمر ألفوه وداوموا عليه، فلا يحتاج إلى أن يُقيد بدليل، فنبقى على هذا الإطلاق من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>