للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غربة الدين والتدين]

إنها نار الشهوات وفتن الشبهات، وأنا -كما قلت- أقدم بهذه المقدمة الطويلة لهذه الشهوات والشبهات التي يحارب بها إسلامنا وديننا في هذه الأيام؛ لأن قلبي كاد أن ينخلع، وكاد عقلي يطير، لما قرأته على صفحات جريدة إسلامية ولا أقول على صفحات جريدة شيوعية أو علمانية أو ماركسية، وإنما أقول: على صفحات جريدة إسلامية بعنوان: (تذكير الأصحاب بتحريم النقاب) أسمعتم؟ أرأيتم؟ على صفحات جريدة إسلامية عنوانٌ ضخمٌ يقول: (تذكير الأصحاب بتحريم النقاب) إلى هذا الحد يحارب الإسلام؟! إلى هذا الحد يحارب الالتزام؟! إلى هذا الحد يحارب الاحتشام؟! أنا لا أدري لماذا يثير النقاب هذه البغضاء في قلوب هؤلاء، والله لا أدري، فمنهم من يصف النقاب بأنه خيمة، ومنهم من يصف المنتقبات بأنهن متأخرات، ومتخلفات، ورجعيات، ومتحجرات، لا أدري لماذا كل هذه الحرب الشعواء؟! لماذا كل هذه الحرب الهوجاء على النقاب؟! لماذا لم تكن هذه الحرب على السفور؟ لماذا لم تكن هذه الحرب على العري والتبرج؟ لماذا لم تكن هذه الحرب على الاختلاط السافر؟ لماذا لم تكن هذه الحرب على المتبرجات العاريات الكاسيات المائلات المميلات اللائي يُفتح لهن الأبواب، وتيسر لهن الأسباب، وتذلل لهن الصعاب، وينلن كل الرضا والاحترام والتقدير من هؤلاء، أصحاب الشهوات وأصحاب القلوب المريضة، أما المنتقبات والعفيفات، والطاهرات، والمتوضئات، فإن الحرب تصب على رءوسهن صباً، لا تفتح لهن أبواب الجامعات، ولا أبواب المدارس، ولا أبواب الوزارات أو أبواب الأعمال، لا تفتح لهن الأبواب، ولا تذلل لهن الصعاب، ولا تيسر لهن الأسباب، ويصب هؤلاء الحاقدون على رءوسهن الحرب صباً، لماذا كل ذلك؟ لماذا هذه الحرب الشعواء على النقاب، وعلى الإسلام، وعلى الإخوة الذين توضئوا لله جل وعلا، وسجدوا له، والذين رفعوا شعار لا إله إلا الله، لماذا؟ إنني أتعجب! والله إنني لأتألم من هذه الحرب، ولكنني أتعجب ويزداد عجبي أن تكون هذه الحرب على النقاب ليست من أعداء الإسلام، وإنما ممن ينتسبون ظلماً وزوراً إلى الإسلام.

إلى هذا الحد تحارب المنتقبة من المسلمين، وممن يتسمون بسمة أهل العلم والدين؟! إلى هذا الحد؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولكنني أقول: أيتها الأخوات المتنقبات.

اصبرن، واعلمن علم اليقين أن في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم، وغيره من أهل السنن والمسانيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء فطوبى للغرباء) وفي رواية للإمام أحمد: (قيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس) الغرباء: الذين يتمسكون بالقرآن وهدي النبي عليه الصلاة والسلام في وقتٍ قل فيه التمسك بالقرآن، وبسنة النبي عليه الصلاة والسلام.

وفي الحديث الصحيح أيضاً الذي أخرجه الإمام الترمذي بسندٍ حسنٍ صحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتي على الناس زمانٌ الصابر فيه على دينه كالقابض على الجمر) وهذا هو زماننا، وهذه هي أيامنا، فمن صبر في هذه الأيام، وفي هذا الزمان على دينه كمن قبض على جمر بين يديه.

فاصبري يا أختاه، واصبروا أيها الإخوة، اصبروا أيها الشباب، اصبروا أيها المسلمون، فإن الله جل وعلا قال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:٥ - ٦].

وأقول لكم: أبشروا، فإن أشد ساعات الليل سواداً هي الساعة التي يأتي بعدها ضوء الفجر، وفجر الإسلام قادم، ونور الإسلام قادم، ونور محمدٍ قادم، وعز الإسلام قادم، ولكننا نحتاج إلى الصبر، اصبري يا أختاه، اصبري يا من التزمت بشرع الله، وبشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إنني أتعجب! النقاب حرام؟ هذا آخر ما كنت أتخيله، يخرج علينا بعد ذلك هذا الفذ، والعبقري بهذا الاختراع المدوي، وبهذا الاكتشاف الكبير، وبهذه القنبلة المدوية ليقول لنا: إن النقاب حرام، والله ما قال بذلك أحدٌ من أسلافك الأولين.