للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ظهور الآيات ونزول الفرج]

ومع هذه الآلام النفسية والبدنية امرأة ضعيفة، وحدها، عذراء طاهرة شريفة عفيفة، وإذ بها تلد الولد، ووسط هذه الآلام ومريم تقول هذه الكلمات التي تنم عن ألم شديد، تأتي المفاجأة الكبرى التي تريح القلب ويطمئن لها الفؤاد، فيناديها عيسى من تحتها، وهذا هو الراجح، قال ابن عباس: [(فناداها مَنْ تحتها) أي: جبريل] وقال مجاهد وقتادة عن سعيد بن جبير وغيرهم وكذلك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا) أي: عيسى.

وهناك القراءة الأخرى: (فناداها مَنْ تحتها) بالله عليك! تخيل طفلاً رضيعاً يناديها من تحتها ويطمئنها ويقول: {أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} [مريم:٢٤ - ٢٦] وأنا الذي سأبرئ ساحتك إن شاء الله عز وجل.

يا لها من بشارة عجيبة! هذا وعد الله للمتقين أيها الأحباب، وعد قطعه الله جل وعلا على نفسه، حق على الله لمن اتقاه أن يتولى هدايته، ورعايته، ونهايته، حق على الله لمن اتقاه أن يستره فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣] طفل رضيع ما زال مولوداً ينادي أمه بهذه الكلمات التي تطمئن القلب والفؤاد: لا تحزني والله معك، لا تحزني ومعك قدرة الله، لا تحزني ومعك رحمة الله، لا تحزني والله جل وعلا معك بقدرته، وبرحمته، وبلطفه، وبإرادته، لا تحزني وانظري إلى آثار رحمة الله عز وجل، فلقد فجر الله لها جدولاً من الماء لتشرب منه، وأنبت لها التمر في النخل وكانت النخلة يابسة: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} [مريم:٢٥] وهذا الجدول من الماء من تحت قدميك فاشربي الماء وكلي التمر.