للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كتابة النصر لمن قاتل في سبيل الله]

وأستهل هذه البشريات والآمال بآية من كتاب الكبير المتعال، يقول الله عز وجل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:٣٩ - ٤٠] وقد تحقق وعد الله عز وجل في عهد نبيه، ونصر الله القلة الضعيفة المستضعفة يوم أن نصرت دين الله عز وجل، ووعد الله محفوظ، ووعد الله قائم لكل من ينصر دين الله أن ينصره الله جل وعلا.

ما علينا إلا أن ننصر دين الله، ولكن بماذا؟ بما منَّ الله عز وجل به علينا من قوة، فلم يأمرنا الله أن نعد الإعداد الذي يخرج عن طوقنا واستطاعتنا أبداً.

بل ما أمرك الله إلا بقوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:٦٠] وأمرك الله عز وجل بالتقوى بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦] فابذل ما استطعت من الإعداد لتنصر بهذا الإعداد دين الله، واترك النصرة بعد ذلك لمن وعد بالنصرة كل من نصر دينه جل وعلا.

ما علينا إلا أن ننصر الدين على قدر استطاعتنا، وإلا فإن العلمانيين الآن يريدون أن يوقعوا بالإسلاميين، ويقولون لهم: ماذا تملكون وماذا بأيديكم، وأنا لا أقلل أبداً على الإطلاق من شأن القوة المادية، فإن هذه (دروشة) لأنه بكل أسف أمتنا الآن فيها من هم (دراويش) لا يجيدون إلا الكلام، شأنها في ذلك شأن جحا، هل تعرفون جحا الذي صنع يوماً ساقية على النهر لتأخذ الماء من النهر ولترد نفس الماء إلى نفس النهر، فقالوا: عجباً لك يا جحا! تصنع ساقية على النهر لتأخذ الماء من النهر ولترد نفس الماء إلى نفس النهر؟! فقال جحا: يكفيني نعيرها، منشورات بيانات صاخبة خطب رنانة.

هذا لن يعيد الإسلام إلى الأرض، وإن كان هذا نوع من أنواع العمل؛ لكننا لن نعيد الإسلام مرة أخرى إلا إذا حولنا الإسلام إلى منهج حياة، إلى واقع يتألق سمواً وروعة وجلالاً؛ فإن العالم الغربي الآن يحكم على الإسلام من خلال واقع المسلمين المر الأليم.

فيجب علينا أن نبذل قدر استطاعتنا، وليس معنى ذلك أنني أقلل من شأن القوة المادية في مواجهة أعداء الإسلام أبداً، وإنما أقول: نعد على قدر المستطاع وعلى قدر الطاقة؛ فالأمة تحتاج إلى تنظيم جهود، ووالله إن الأمة مليئة بالطاقات وبالخيرات.

ولعلكم تذكرون سلاحاً واحداً استخدمته هذه الأمة، لا لمدة أسابيع ولا لمدة شهور بل لمدة أيام؛ فوقف الشرق الملحد والغرب الكافر يوم أن استخدم المسلمون سلاح البترول في حرب أكتوبر.

الأمة مليئة بالطاقات المادية والعددية، وتعجبني الآن كلمة لـ جمال الدين الأفغاني، مع تحفظي على كلماتٍ كثيرة للقائل، إلا أننا نقول بأننا نقبل الحق على لسان أي أحد، ونرد الباطل على لسان أي أحد، يقول هذا الرجل للهنود يوم أن احتلهم الإنجليز: (لو أن ملايينكم ذباب يطن في آذان الإنجليز لخرقتم آذانهم).

أمةً تملك طاقة عددية هائلة جبارة، وتملك طاقة مادية جبارة هائلة، ولكن الأمة تحتاج إلى التقاء الصفوف، وإلى تجميع الطاقات، وتنظيم الجهود، وكلمة واحدة، ونظام الصف ماذا أعني بنظام الصف؟ أمتنا أمة النظام، وبكل أسف! تذهب إلى بلاد الغرب فترى نظام الصف موجوداً في أقل الأمور، ففي المطعم ترى نظام الصف، وفي المطار ترى نظام الصف، وفي الركوب على الباص ترى نظام الصف، فإذا ما أتيت إلى هذه الأمة رأيت نظام القطيع -الذي يقوى على الآخر يدوسه- وتردد الأمة بلسان الحال قول الشاعر الجاهلي القديم:

ونشرب إن وردنا الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطينا

نظام القطيع في كل شيء، مع أن الأمة صاحبة نظام الصف، يقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:٤] ليس صفاً معوجاً ولا مختلاً، وإنما كأنه البنيان المرصوص الذي رصت لبناته بمنتهى الدقة والإحكام، والبراعة والجمال في آن واحد، بل وقال المصطفى في الصلاة: (لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم) يا سبحان الله! ما علاقة تسوية الصف بالقلب؟! انظر إلى هذا الحديث، فالأمة تحتاج إلى تنظيم وتجميع للطاقات، وكلٌ مسئول على قدر استطاعته.

ابذل ما استطعت، واتصل بالمسئولين بمنتهى الأدب والحكمة والرقة والبلاغة، واتصل بمن تظن أنه يبذل شيئاً لدين الله، لتلتقي الجهود، ولتلتقي كل هذه الطاقات، وسترون والله العجب العجاب، ولكن ليبدأ كل واحدٍ منا بنفسه؛ لأننا بكل أسف نعلق الأخطاء دوماً على الآخرين، وقد حذرنا الله من هذا الداء فقال: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:١٦٥].

إذاً: من هذه البشارة أخلص إلى أنه من نصر دين الله على قدر استطاعته، وعلى قدر ما مكنه الله عز وجل من قوة ومن طاقة سينصره الله عز وجل، وهل تستطيع قوةٌ على ظهر هذه الأرض أن تحارب ملك الملوك؟!! يا إخوة: ترون الآن سيولاً تجرف بيوتاً ومدناً، وترون زلازل وبراكين تدمر حضارات، وتزلزل وتبيد مطارات: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:٣١].

سبحان الله! تعجبني عبارة هذا العربي في أرض الجزيرة في القديم يوم أن خوفوه من الإنجليز، وقالوا: هؤلاء يملكون طائرات، قال: ما معنى طائرات؟ لا يعرف معنى الطائرات، قالوا: هذه طائرات تطير في السماء تنزل وتسقط النار، لا يستوعب هذا المشهد، ولا يعرف معنى الطائرة لكن انظروا إلى التوحيد الذي استقر في قلبه، وإلى اليقين الذي افتقدته الأمة الآن، قال قولةً عجيبة: الطائرة أعلى أم ربنا أعلى؟! قالوا: لا، ربنا أعلى، قال: إذاً فلا تخف، سبحان الله! إنها الفطرة التي تفتقدها الأمة الآن، بل والله إن من أبناء الأمة الآن من يشك في رزق الرزاق، ونسمع على أعلى مستوى من يقول: "كنت أعتمد على الشرق والآن أنا أعتمد على الغرب، فإن لم أعتمد على الغرب فعلى من أعتمد؟!! " على الله الذي وعد برزق كل دابة: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:٦] وربك يرزق الكفار؛ فهل ينسى أن يرزق من وحدوا العزيز الغفار؟ هذا محال.