للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حياة القلوب وموتها]

إذاً: أيها الأحباب! إن حديثنا الليلة في الرقائق لا ينقسم عن هذه التحديات، فإننا لن نواجه هذه المؤامرات الموثورة إلا برجال، وإننا الآن نريد أن نربي هؤلاء الرجال، وهؤلاء الرجال لن نبدأ تربيتهم إلا بتصفيح وتصليح قلوبهم، فإن الحديث عن الرقائق ليس بمعزلٍ عن مجابهة هذه التحديات؛ لأننا نرى الآن من بين أبناء الأمة قلوباً صدئة علاها الران، نرى أصحاب هذه القلوب الآن مع أنهم يتكلمون بألسنتنا ويلبسون زينا إلا أنهم قد انطلقوا بدون أدنى خجلٍ أو وجلٍ يحاربون الله ويصدون عن سبيل الله جلا وعلا.

فهؤلاء هل تعتقدون أنهم يحملون في صدورهم قلوباً تعرف ملك الملوك جل وعلا؟ هل يحملون في صدورهم قلوباً ترق إذا ذكر لله؟ وتبكي عيونهم إذا تلي كلام الله؟ وترق أفئدتهم إذا ذكِّروا بالله جل وعلا؟ وبيومٍ سيتركون فيه الجاه، والكراسي الزائلة، والمناصب الفانية، لا وزارة، ولا إمارة، ولا سيارة، ولا عمارة، ولا جاه، ولا منصب، وإنما سيقف هذا عارياً يبن يدي ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض ليكلمه ربه جل وعلا دون ترجمان: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة).

هؤلاء نسوا يوماً سيعرضون فيه على الله، لماذا؟ لأن قلوبهم قد ماتت في أكفان صدورهم، كفنتها الصدور منذ زمن، إذا ذكِّروا بالله سخروا، وإذا ذكِّروا بحديث رسول الله استهزءوا، وصفوا النقاب بأنه خيمة، ووصفوا اللحية بأنها عفن، ووصفوا شريعة الله بأنها تخلف، هل تعتقدون أن هؤلاء وإن كانوا يتحركون بين الأحياء يحملون قلوباً حية تعرف ملك الملوك جل وعلا؟ لا والله.

لا والله.

إذاً: فالنقطة الأولى -أيها الأحباب- هي كما قال الحبيب: (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) فلنفتش جميعاً في قلوبنا وعن قلوبنا.

أين يقع قلبك أيها الحبيب؟! هل قلبك من القلوب الحية؟ هل قلبك من القلوب السليمة؟ هل قلبك من القلوب المريضة؟ هل قلبك من القلوب الميتة؟ سل نفسك أيها الحبيب فتعالوا بنا لنخاطب القلب والعقل معاً بهذه الحقيقة الكبيرة، فوالله ما ظلم الظالمون، وما جار المتجبرون، وما ظلم الطغاة المتكبرون إلا يوم أن غفلوا عن يومٍ سيعرضون فيه بين يدي ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، إلا يوم أن اعتقد أنه إله مخلد، إلا يوم أن رن في أذنيه قول فرعون -وهؤلاء أتباع الفراعنة- كما قال الله تعالى: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨] إلا يوم قال بلسان الحال: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:٥١].