للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من حقوق الأخوة الحب في الله والبغض في الله]

الحق الأول من حقوق الأخوة في الله: الحب في الله والبغض في الله.

محال أن تتحقق أخوة صادقة من غير حب في الله وبغض في الله، فالحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، كما في الحديث الذي رواه أبو داود والضياء المقدسي، وصححه الشيخ الألباني من حديث أبي أمامة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من أحبَّ لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) فهل تحبني لله؟ وهل أنا أحبك لله؟ وهل تحب أخاك لله؟ وهل تبغض أخاك لله؟ وهل تعطي أخاك لله؟ وهل تمنع فلاناً لله؟ سل نفسك الآن بصدق؛ فإن عقد الولاء والبراء الآن ليس لله إلا من رحم الله، وإنما من أجل رايات ومسميات وجماعات، فأنا أحب أخاً ينتمي لجماعتي، ويجلس معي بين يدي شيخي الذي أتتلمذ على يديه، وأتلقى العلم عنه، أما هذا الأخ الصادق المتبع المخلص الناصح الأمين فأنا أبغضه، فهو لا يفهم ولا يعي ولا يدرك عن الواقع شيئاً، وهو رجل جهول، ولا حديث له إلا في الحيض، ولا يتكلم إلا في النفاس، ولا يجيد الحديث إلا في الرقائق، ولا يحسن القول إلا فيما يبكي الناس، فأنا أبغضه؛ لأنه لا ينتمي إلى جماعتي!! هذه مصيبة تحطم القلب.

فهذا نتنياهو يصفع الأمة بالنعال على الأقفية، ولا زال إخواننا الذين يعملون للدين، والذين يرفعون راية الإسلام، يوالون ويعادون على مسميات ما تعبدنا الله بها، وما أنزل الله بها من سلطان!! فهل تحب لله؟ وهل تبغض لله؟ وهل تعطي لله؟ وهل تمنع لله؟ ولماذا أتيت؟ ولماذا لم تأت؟ ولماذا تكلمت؟ ولماذا صمت؟ ولماذا أعطيت؟ ولماذا منعت؟ ولماذا ابتسمت؟ ولماذا غضبت؟ ولماذا أحببت؟ ولماذا واليت؟ ولماذا عاديت؟ سل نفسك الآن أيها المسلم! هل عملك لله؟ واصدق الله، فلو خادعت الخلق فلن تخادع الذي يعلم منك السر وأخفى، فمن أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان.

وتدبروا هذه الطائفة النبوية الشريفة من الأحاديث الصحيحة: في الصحيحين من حديث أنس، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُلقى في النار) أولها: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، فإذا كانت هذه فيك تذوقت حلاوة الإيمان؛ فإن للإيمان طعماً وحلاوة.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وأرجو ألا تسمع هذا الحديث وتجعله كلاماً عابراً، فإن هذا يكاد أن يمزق القلب، فإني أرى بعض الإخوة يستمعون، وكأن الكلام لا يصل إلى القلوب البتة! يقول صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)، فهل فكرت في هذه العبارة النبوية؟! يوم القيامة ستدنو الشمس من الرءوس، فلا عمارات ولا أشجار ولا بيوت ولا مكيفات، فالشمس فوق الرءوس، والرءوس تلتهب من حرارتها، والزحام يكاد وحده أن يخطف الأنفاس، والبشرية كلها من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه الساعة واقفة في أرض واحدة، وجهنم تزفر وتزمجر، (قد أتي بها لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) كما روى مسلم من حديث ابن مسعود، وفي ظل هذه المشاهد التي تخلع القلب ينادي الله جل وعلا على سبعة أصناف من البشرية في أرض المحشر؛ ليظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهؤلاء هم: (إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه -من منا يعجز عن هذه؟ - ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه -أي: اجتمعا على الحب في الله، وتفرقا على الحب في الله- ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال -أي: للزنا- فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).

اللهم ارزقنا عيناً دامعة، وقلباً خاشعاً، وعملاً متقبلاً يا رب العالمين! والشاهد هنا قوله: (ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه).

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجلاً زار أخاً له في قرية، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً، فلما أتى الملك قال له الملك: أين تريد؟ قال له: إلى أخ لي في هذه القرية، فقال له الملك: فهل لك من نعمة تربها عليه -أي: تبتغي زيادتها- قال: لا؛ غير أني أحببته في الله، فقال له الملك: فإني رسول الله إليك أخبرك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)، وأرجو ألا تمر أخي المسلم! على هذه الكلمات النبوية مرور الكرام، بل قف عليها متأملاً متدبراً، فمن أنت ليخبرك الملك بأن الله قد أحبك كما أحببت أخاك فيه؟! وفي الحديث الذي رواه أبو داود في سننه، والحاكم في المستدرك، وصححه على شرط الشيخين، ورواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه مالك في الموطأ بسند صحيح، أن أبا إدريس الخولاني رحمه الله قال: (أتيت مسجد دمشق فإذا فتىً براق الثنايا، والناس من حوله، وإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه -أي: أنه شاب صغير في حلقة من الناس فيهم الكبار والصغار، ولكنهم إذا اختلفوا في شيء سألوا هذا الشاب المبارك، فإذا ما أفتاهم أخذوا بقوله وفتواه- فقال أبو إدريس: من هذا؟ فقالوا: إنه معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال أبو إدريس: فلما كان من الغد هجّرت إلى المسجد -أي: بكرت إلى المسجد- فوجدت معاذاً قد هجر وسبقني، ووجدته يصلي، فانتظرت حتى قضى صلاته، فجئته من قبل وجهه فسلمت عليه، ثم قلت: والله! إني لأحبك، فقال معاذ: آلله؟ فقال أبو إدريس: آلله.

فقال معاذ: آلله؟ فقال أبو إدريس: آلله.

قال أبو إدريس: فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه وقال لي: أبشر؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في).

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده! لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! قالوا: بلى، يا رسول الله! قال: أفشوا السلام بينكم) فسلم على أخيك بصدق وحرارة، ولا تسلم سلاماً باهتاً بارداً، ووجهك في الاتجاه الآخر، خذ على يد أخيك بحب، فإنك قد ترى الأخ يأخذ بيد أخيه بطرف أصابعه، ويلوي عنقه إلى ناحية أخرى، ولا تشعر بحرارة اللقاء، ولا بإخلاص المصافحة، ولا تشعر بأن القلب قد صافح القلب، ولا تحس بأن الروح قد سلمت وامتزجت بالروح، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول -كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)، قال الخطابي: فالخيِّر يحن إلى الأخيار، والشرير يحن إلى الأشرار، وهذا هو معنى: (ما تعارف من الأرواح ائتلف، وما تناكر من الأرواح اختلف) ولذا لا يحب المؤمن إلا من هو على شاكلته من أهل الإيمان، ولا يبغض المؤمن إلا منافق خبيث القلب، قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:٩٦] أي: محبة في قلوب عباده المؤمنين، اللهم اجعل المحبة والود لنا في قلوب عبادك المؤمنين برحمتك يا أرحم الراحمين! وهذه -أخي الحبيب- لا ينالها مؤمن على ظهر الأرض إلا بإذن الله، يعني: لا يضع الله محبتك في قلوب المؤمنين الصادقين إلا إذا أحبك ابتداءً، في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل فقال: يا جبريل! إنى أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: يا أهل السماء! إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض -اللهم اجعلنا من هؤلاء الصادقين، برحمتك يا أرحم الراحمين! وإذا أبغض الله عبداً نادى جبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل، وينادي جبريل في أهل السماء: يا أهل السماء! إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم توضع له البغضاء في الأرض) اللهم سلم سلم يا أرحم الراحمين! اللهم عاملنا بفضلك ورحمتك، واستر ذنوبنا وعيوبنا بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين! إذاً: أيها الأحبة الكرام! الخيِّر لا يميل إلا إلى الأخيار، ولذا لو سافر إنسان حتى إلى بلاد الكفر وكان مؤمناً صادقاً فإن أول ما سيسأل عنه: المسجد أو المركز الإسلامي في هذه الولاية، وسرعان ما يسرع إليه فتلتقي روحه بأرواح إخوانه، أما الخبيث الذي ذهب للفسق والعربدة فإنه بمجرد أن يصل فسيسأل عن الخمارة، وعن أماكن الدعارة، اللهم استرنا ولا تفضحنا، فالخيِّر يحن إلى الأخيار، والخبيث يحن إلى الخبثاء الأشرار.

وهناك أحاديث كثيرة في الحب في الله، ولا زلنا مع الحق الأول فقط من حقوق الأخوة الصادقة في الله جل وعلا، لكن أرجو أن ينتبه الإخوة إلى أن المرء لن يحشر يوم القيامة إلا مع من أحب، ففتش عن قلبك الآن، فهل أنت تحب الممثلين والممثلات؟ فإن كنت كذلك فستحشر معهم، وهل تحب الساقطين والساقطات، واللاعبين واللاعبات؟ إن كنت كذلك فستحشر معهم، أم هل أنت تحب الأطهار والأخيار والأبرار ابتداءً بنبيك المختار وصحابته الأبرار؟ إن كنت كذلك فستحشر معهم، في الصحيحين من حديث