للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلم يدعو إلى الإيمان]

أولاً: العلم يدعو إلى الإيمان: إن نور الوحي لا يطمسُ نور العقل أبداً، بل يباركه ويزكيه ويقويه، شريطة أن يذعن العقل مع الكون كله لله رب العالمين، وإنه لواجب علينا أن نحترم العقل والإدراك البشري، بالقدر الذي أراده الله له من التكريم في مجاله الذي يبدع ويحسن فيه، حتى لا نمضي بالعقل البشري والإدراك البشري بعيداً عن مجاله وحدود قدراته وإبداعه، وحتى لا نمضي في التيه والضلال بلا دليل أو برهان.

أيها الأحبة الكرام! ما كان الإسلام أبداً ولن يكون ضداً للعلم، وكيف ذلك والإسلام هو الذي دعا للعلم منذ لحظاته الأولى؟! يوم أن تنزلت الآيات على قلب النبي الأمي الذي علم المتعلمين! قال الله جل وعلا: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:١ - ٥].

وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:٣٤] فعلم الله علم محيط كامل، فالله جل جلاله يعلم ما كان وما هو كائن، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.

قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:٥٩]، ولكن الله جل وعلا قدر منذ الأزل وشاء منذ الأزل أن يعلم الإنسان شيئاً من علمه سبحانه في الوقت الذي يشاؤه الله، وبالقدر الذي يريده الله، قال جل في علاه: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:٢٥٥].

فالإنسان لا علم له بأي شيء في هذا الكون إلا بالقدر الذي أراده الله، وفي الوقت الذي يريده الله، وإلا فإن ما اكتشفه الإنسان كان موجوداً مخبوءاً في الكون منذ الأزل، وما اكتشفه الإنسان إلا يوم أن أراد الله، ويوم أن أذن الله للإنسان أن يكتشفه، قال جل جلاله: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:٣١ - ٣٣]، فكل علم يعلمه الإنسان اليوم إنما ورثه الله جل وعلا لهذا الإنسان من خلال أبيه آدم الذي علمه الله أسماء وعلوم كل شيء، وظل هذا العلم مخبوءاً في هذا الكون، فإذا شاء الله في وقت من الأوقات أن يكتشفه الإنسان اكتشفه في الوقت الذي يشاء الله، وبالقدر الذي يريده الله جل وعلا، إلا أن الإنسان الذي أسكرته نشوة العلم، وأعماه غرور العلم، جاء في هذا القرن متبجحاً بعلمه، مستعلياً على الله باكتشافاته، مع أنه إلى الآن لا يعلم حقيقة نفسه!! لا يعلم حقيقة مشاعره!! لا يعلم حقيقة عقله!! لا يعلم حقيقة روحه!! ومع ذلك فإنه يتبجح ويستعلي على الله بما شاء الله وأراده الله له أن يكتشفه! ومن هنا فإن العلماء ينقسمون تجاه الآيات الكونية والعلمية إلى قسمين: القسم الأول: فريق من العلماء إذا ما كشف آية من آيات الله، وكشف اكتشافاً علمياً في كون الله، يتبجح ويزداد عناداً وإلحاداً وكبراً وطغياناً وكفراً، وهؤلاء عند الله بعلومهم أضل من البهائم قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:١٧٩].

القسم الثاني: فريق إذا ما اكتشف آية لله في كونه، ووقف على قانون علمي أو اكتشاف علمي، ازداد إجلالاً لله، وازداد خشوعاً لله، وفي هذا الصنف يقول الله جل وعلا: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨].

أيها الأحبة الكرام! العلم يدعو إلى الإيمان بالله جل وعلا، وأختم هذا العنصر الهام بكلمات دقيقة لعالم الطبيعة والفيلسوف الأمريكي (ماريت ستانلي) إذ يقول: إن العلوم التي يصل إليها الإنسان تبدأ بالاحتمالات، وتنتهي كذلك بالاحتمالات، وإن أي نتيجة يصل إليها الإنسان من خلال نظرية علمية ليست نهائية، وإنما هي اجتهادية؛ ولذلك فإن العالم إذا ما وصل إلى نظرية أو قانون يقول: هذا هو آخر ما وصل إليه العلم، ولكنه يترك الباب مفتوحاً لما يستجد من نظريات ومن علوم.

هذه الكلمات الدقيقة تبين حقيقة ما وصل إليه العلم في العصر الحديث في أي مجال من المجالات، فوسيلة الإنسان لأي نظرية علمية هي التجربة والقياس، وهذه التجربة والقياس -باتفاق أهل العلم- لا يمكن أبداً أن توصل الإنسان إلى نتيجة حتمية يقينية نهائية، وإنما توصله إلى نتيجة ظنية، وهذا هو ما أثاره كثير من العلماء على قضية الاستنساخ، وهذا هو عنصرنا الثاني: هل خلقوا نعجة بالفعل؟!