للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كثرة الأمر بالصبر في القرآن]

أيها الأحباب! لابد من التزود بزاد الصبر الجميل على طول الطريق؛ لوعورته ومشقته، ومن ثم يأتي الأمر من الله جل وعلا لمن نذر نفسه، وتجردت روحه لهذه الدعوة، وانطلق يوم أن قال الله له: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:٢]، فقام وأنذر ولم يجلس طرفة عين حتى أتاه اليقين، دعا إلى الله جل وعلا بثبات وقوة وثقة واطمئنان وصدق وإخلاص، يأتيه الأمر من الله جل وعلا بعد كل هذا أن يتزود بالزاد الذي تزود به من قبل إخوانه من الأنبياء والمرسلين، فيقول ربنا جل وعلا: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:٣٥]، ويقول له جل وعلا: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل:١٠]، ويقول له جل وعلا: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:٤٨]، {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم:٤٨]، ويقول له جل وعلا: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:١٢٧]، ويأتي الأمر للأمة من بعده صلى الله عليه وسلم للتزود بهذا الزاد العظيم الجليل الكريم فيقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:٢٠٠]، ويقول جل وعلا: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:٤٥]، بل ويبشر الله الصابرين بثلاث بشارات هي والله خير من الدنيا وما فيها، فيقول سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ} [البقرة:١٥٥]، هذا هو الطريق يوضح لنا من البداية: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٥]، من هم الصابرون؟ {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:١٥٥ - ١٥٦]، (إنا لله): كلنا لله، بعقولنا وأموالنا وأولادنا وجوارحنا، {قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:١٥٦ - ١٥٧]، الله أكبر! ويبالغ الله في إكرام وتكريم الصابرين حتى في الجنة؛ بإدخال الملائكة عليهم لمصافحتهم والسلام عليهم وتهنئتهم بكرامة الله لهم، فيقول سبحانه: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الرعد:٢٣ - ٢٤] بماذا؟ {بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:٢٤]، ولم لا والذي يعلم جزاء الصابرين إنما هو رب العالمين! {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:١٠]، وتتجلى صورة التكريم للصابرين بمعية الله جل وعلا لهم فيقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٣]، وبالجملة ذكر الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن الله جل وعلا ذكر الصبر في تسعين موضعاً في القرآن الكريم، وهذا إن دل فإنما يدل على عظيم شرفه وكبير مكانته عند الله جل وعلا.