للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قيمة الوقت]

بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء، وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتي في الله! تقبل علينا اختبارات آخر العام؛ فترفع البيوت حالة الطوارئ إلى أقصى درجة، فإذا ما أنهى أبناؤنا الاختبارات عادت البيوت مرة أخرى إلى حالة قاتلة من الفراغ والارتخاء! وترى قليلاً من البيوت هي التي تعرف قدر الوقت وقيمة العمر، فإذا ما أقبلت الإجازة الصيفية استغلوا هذا الوقت استغلالاً طيباً بما يعود على أبنائهم بالنفع في الدنيا والآخرة، فأحببت مع إقبال الإجازة الصيفية علينا أن أذكِّر نفسي وآبائي وإخواني بقيمة الوقت وشرف الزمان؛ لذا فإن لقاءنا اليوم مع حضراتكم بعنوان: (الوقت هو الحياة) وكما تعودنا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية: أولاً: قيمة الوقت.

ثانياً: عوائق الاستفادة من الوقت.

ثالثاً: كيف يطول عمرك؟! وأخيراً: رسالة إلى القتلة! فأعيروني القلوب والأسماع.

والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب.

أولاً: قيمة الوقت.

أيها الأحبة الكرام! إن الوقت هو الحياة، والعاقل هو الذى يعرف قدر وقته، وشرف زمانه؛ فلا يضيع ساعة واحدة من عمره إلا في خير للدنيا أو للآخرة؛ حتى لا يتحسر على هذه الساعة في ساعة لا تنفع فيها الحسرة ولا يجدي فيها الندم.

إن الوقت من أعظم نعم الله، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان:٦٢]، ويلفت ربنا أنظارنا إلى قدر الوقت وقيمة الوقت حين أقسم بالوقت في آيات كثيرة من قرآنه، قال جل وعلا: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:١ - ٢]، وقال جل وعلا: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:١ - ٢]، وقال جل وعلا: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:١ - ٣].

فالوقت -يا إخوة- هو العمر هو الحياة.

والعاقل هو الذى يدرك شرف زمانه وقدر وقته، ولا تراه في ساعة من عمره إلا منشغلاً بعمل نافع للدنيا، وإما بعمل نافع للآخرة.

وها هو نبينا يعلمنا أن الإنسان سيسأل عن ساعات عمره، وعن أيام عمره، وعن شهور عمره، وعن سنوات عمره، سيسأل الإنسان عن عمره كله بين يدي الله جل وعلا كما في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذى من حديث أبي برزة الأسلمي أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسمه فيما أبلاه،-وفي لفظ: وعن شبابه فيما أبلاه-، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه).

لن تتحرك من أرض المحشر ومن موقف الحساب بين يدي الله حتى تسأل عن أربع، كيف قضيت الأيام؟ كيف قضيت الساعات؟ كيف قضيت العمر؟ ستسأل عن عمرك كله، فيم أفنيت هذه الأيام، وهذه السنوات الطوال؟ هل أفنيتها في طاعة الكبير المتعال، وفي نفع لدنياك وأخراك، أم ضيعت عمرك وسنواتك كلها في معصية الله، وفيما لا يعود عليك بخير للدنيا أو للآخرة؟! وها هم سلفنا رضوان الله عليهم يعلموننا الحرص على الوقت، وأن الوقت هو الحياة، وأن العمر هو الحياة، فهم يعلموننا أن من عقوق الزمن أن تمضي ساعة واحدة لا يستغلها الإنسان لخير في حياته أو لآخرته، فهاهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: (ما ندمت على شيء كندمي على يوم غربت شمسه، قرب فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي).

تدبر هذه الكلمات! ولله در القائل: إذا مر يومٌ ولم أقتبس هدىً ولم أستفد علماً فما ذاك من عمري.