للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتباع الهوى]

العائق الأول: اتباع الهوى، والهوى مَلِكٌ ظلوم غشوم جهول، يهوي بصاحبه إلى الشر في الدنيا، والهلاك في الآخرة.

يقول ابن عباس: ما ذكر الله الهوى في موضع من كتابه إلا وذمه، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:٢٣] ولقد حذر الله نبياً كريماً من أنبيائه من الهوى فقال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:٢٦] وخاطب الله نبيه المصطفى بقوله: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:٢٨] فالهوى يهوي بصاحبه إلى الشر في الدنيا والآخرة، وفي الحديث الذي رواه البزار والبيهقي والحاكم -والحديث حسن بمجموع طرقه- من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث مهلكات وثلاث منجيات، أما الثلاث المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه).

هذه إن اجتمعت على عبد أهلكته (شح مطاع) أي: رجل شحيح بخيل يدعى إلى الإنفاق في سبيل الله فيحول الهوى والشح بينه وبين ذلك.

قال: (وأما الثلاث المنجيات: فخشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضا).

هذه هي طريق الهلاك، وهذه هي طريق النجاة، يلخصها لنا من آتاه الله جوامع الكلم في ست كلمات فقط: (ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات).

فلو انقاد الإنسان لهواه لزين له جلسة الفارغين وجلسة البطالين، وزين له تحلل المتحللين من أوامر رب العالمين.

ترى المسلم يقضي الساعات الطويلة في الليل على المقهى، أو يقضي جل الليل أمام المسلسلات والأفلام، وإن سألت واحداً من هؤلاء: ما الذي أجلسك هذه الجلسة الطويلة على المقهى أو أمام التلفاز؟ يقول لك: أضيع الوقت أقتل الوقت إنا لله وإنا إليه راجعون!! وهو لا يدري أنه يقتل نفسه، وأنه ينتحر انتحاراً بطيئاً؛ لأن الإنسان مجموعة أيام، فإن انقضى يوم من أيامه استقبل به الآخرة، واستدبر به الدنيا.

كان لقمان يقول لولده: (أي بني! إنك من يوم أن نزلت إلى الدنيا استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة، فأنت إلى دار تقبل عليها أقرب من دار تبتعد عنها!) فيا أيها المسلم! إن وقتك هو الحياة إن وقتك هو العمر فلا تضيع ساعة من عمرك إلا وأنت في خير للدنيا أو في خير للآخرة، وإلا فورب الكعبة سنندم على كل ساعة مضت من أعمارنا قضيناها في معصية ربنا ونبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فالهوى مَلِكٌ ظلوم غشوم، سيزين لك الفراغ سيزين لك المعصية سيزين لك الباطل سيزين لك الفراغ القاتل، ولا يصل العبد إلى حقيقة الإيمان إلا إذا وافق هواه ما جاء من عند الله وما جاء به رسول الله، قال جل وعلا: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].

فالهوى من أخطر العوائق التي تصرف العبد عن استثمار وقته فيما يُرضي الله جل وعلا.