للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علاج الفراغ القلبي]

علاج الفراغ القلبي ودواء الفراغ القلبي بزيادة الإيمان؛ إذ إن الإيمان يزيد وينقص، كيف يزداد الإيمان في قلبي؟ يزداد الإيمان بالطاعات، وينقص الإيمان بالمعاصي والزلات، ونقب عن قلبك أيها الحبيب! وأنت الآن في مجلس علم كهذا، ثم نقب عن قلبك وأنت أمام التلفاز أو في مجلس غيبة أو نميمة، فتقف على حجم الفارق بين حال قلبك في الطاعة، وبين حال قلبك في المعصية.

يقول عبد الله بن مسعود: (تفقد قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القرآن، وفي مجالس الذكر والعلم، وفي وقت الخلوة بينك وبين ربك).

ابحث عن قلبك في هذه المواطن: عند سماع القرآن إن وجل القلب، في مجالس العلم إن وجل القلب، في وقت الخلوة إن وجل القلب، فاحمد الله أنك تحمل قلباً، وسل الله أن يملأه إيماناً ورضى وتقىً، فإن لم تجد قلبك في هذه المواطن، فابحث عن قلب؛ فإنه لا قلب لك!! يقول ابن مسعود: إن لم تجد قلبك في هذه المواطن فابحث عن قلبك فإنه لا قلب لك، فإن القلب يمرض والإنسان لا يدري، وإن القلب يموت والإنسان لا يدري، إذا تعب القلب بمرض من الأمراض العضوية أسرعنا إلى الأطباء، هذه فطرة، لكن القلب قد يمرض بالشهوات وقد يموت بالمعاصي والملذات وصاحبه لا يدري على الإطلاق!!! يقول المصطفى كما في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت) فالذاكر لله حي وإن حبست منه الأعضاء، والغافل عن ذكر الله ميت وإن تحرك بين الأحياء!! وخذوا هذه الوصفة البليغة من سفيان الثوري لرجل مريض القلب مثلي، ذهب إليه رجل فقال: يا سفيان! لقد ابتليت بمرض قلبي فصف لي دواءً.

فقال سفيان: عليك بعروق الإخلاص، وورق الصبر، وعصير التواضع، ضع هذا كله في إناء التقوى، وصب عليه ماء الخشية، وأوقد عليه نار الحزن على المعصية، وصفِّه بمصفاة المراقبة له، وتناوله بكف الصدق، واشربه من كأس الاستغفار، وتمضمض بالورع، وابعد عن الحرص والطمع، يشفى مرض قلبك بإذن الله.

أسأل الله أن يعيننا على هذا الدواء الناجع النافع!! والفراغ الأخير هو الفراغ النفسي، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، إن لم تفطمها بالطاعات قادتك إلى المعاصي والزلات، قال الله: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف:٥٣] فاللهم ارحمنا بفضلك.

فيا أيها الأخ الحبيب! ويا أيها الوالد الكريم! الفراغ النفسي مقتلة شبابنا، فإذا فرغت نفوسهم قاموا إلى كل معصية، وانحرفوا في كل واد وفي كل طريق ضال، إذا لم يجد الشاب عملاً يقوم به، ورأى نفسه في فراغ، انشغل بالمعاصي انشغل بالفتن والشهوات انشغل بالأفلام والمباريات والمسلسلات انشغل بالمجلات الخليعة الجنسية الماجنة، وبقراءة القصص التي تحول الزهاد العباد إلى فساق فجَّار! إنه فراغ النفس، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وإن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.

يظن الإنسان أنه يصعب عليه أن يطيع الله، والأمر سهل، فلو فطمت نفسك كفطمك للرضيع عن اللبن وعن ثدي أمه مرة بعد مرة لاعتادت الطاعة، ولشعرت براحة ولذة في أي طاعة لله، ولن تشعر بثقل على الإطلاق؛ لأن الله جل وعلا قد زكى النفس، ودلَّها على هذين الطريقين فقال: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:٧ - ٩].

وقال جل وعلا: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٣٧ - ٤١].

­­­فالناس صنفان: صنف قد انتصر على نفسه وقهرها، وألجمها بلجام الطاعة، وجعل النفس مطية إلى رضوان الله والجنة، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم، وصنف قهرته نفسه، وانتصرت عليه نفسه، وغلبته وقادته إلى كل شر في الدنيا، وإلى الهلاك في الآخرة.

أسأل الله أن يحفظنا وإياكم من نفوسنا الأمارة بالسوء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ملء الفراغ النفسي يكون بالطاعة، فاشغل نفسك بطاعة الله وبعمل مفيد.

والعقل نعمة، والفراغ العقلي حياة صاحبه دمار، وآخرته بوار، بدليل أن أهل النار وهم في النار بين يدي الواحد القهار يتصايحون بأنهم كانوا لا يحملون عقولاً يفكرون بها، سمعوا القرآن فما اتعظوا، سمعوا الحديث فما اعتبروا، ذكروا فما تذكروا، فكان المصير أن يتصايحوا في النار، وأن ينادوا على العزيز الغفار، ولكن هيهات!! قال الله جل وعلا عن هؤلاء الذين لا يحملون عقولاً يفكرون بها: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:١٠]، لو كنا نحمل عقولاً سليمة نسمع بها الحق، ونذعن بها للحق، ونخضع بها لله ولرسوله ما كنا بين هؤلاء المجرمين من أصحاب النار.

فيا أيها الوالد الكريم! ويا أيها الأخ الحبيب! لقد آتانا الله عقولاً، وهي من أعظم نعم الله علينا.

وأنا أقول أيضاً: نحن لا نفكر في نعمة العقل، وقد ذكرتكم مراراً حينما ذهبنا مع إخواننا، لنزور إخواننا وأخواتنا في مستشفى الأمراض العقلية، ودخلنا عنبراً للنساء، ورأينا النساء بين أيدينا، وقد أعطاهن الله كمال الخلق، وفجأة اقتربت منا فتاة في الثانية والعشرين من عمرها؛ لتأخذ الغطاء الذي على الرأس، ولتمسك باللحية!! وفجأة رأينا هذه الفتاة ذهبت إلى جانب في العنبر، وتجردت من كل ثيابها كما ولدتها أمها! فخرجنا، وقلت لإخواني يومها: أشهد الله، ثم أشهدكم أنني ما عرفت قدر نعمة العقل إلا في هذه اللحظة، فلا تترك عقلك فارغاً للتفاهات للمسلسلات التافهة، وللأفلام القذرة، وللقصص الماجنة، بل املأ عقلك بالعلم النافع، بالقراءة الجيدة، بالأفكار الهادفة، واعلم بأنك تحمل قضية دين، وتحمل قضية أمة تُضرب الآن بالنعال على أم رأسها، فلا تشغل ولا تملأ فراغ عقلك -أيها الأخ الحبيب- بمثل هذه التفاهات، فوقتك أغلى من هذا، وعمرك أغلى من هذا الضياع الذي تضيعه أمام مسلسل أو فلم أو مباراة، أو على مقهى تقضي فيه الساعات الطوال.