للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفة مع قوله تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم)]

{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [البقرة:٢٥٥] إنه العلم المحيط الشامل الكامل يقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:٧] معهم أينما كانوا بعلمه، بقدرته، بإرادته، بإحاطته، بقهره، لا تقل: معهم بذاته، فلا تقع فيما وقع فيه أهل الحلول والاتحاد، حيث جعلوا ذات الله جل وعلا قد حل في كل شيء، وقالوا كلاماً يعف اللسان عن ذكره على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم {هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:٧] معهم بعلمه، وبسمعه، وببصره، ما من جبل على ظهر هذه الأرض إلا وهو يعلم ما في وعره، ولا بحرٍ على سطح هذه الأرض إلا ويدري الله ما في قعره: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فاطر:١١].

وهاهي المرأة الأعرابية تعلمنا هذا الدرس العجيب العظيم، يوم أن ذهب إليها الأعرابي في الصحراء ليراودها عن نفسها، فقالت له لتعلمه: هلا ذهبت واطمأننت هل نام الجميع، فعاد هذا الأعرابي فرحاً بلذةٍ فانية لمعصية يظل ذلها دائماً، قال لها: أبشري فلقد نام الناس جميعاً، ولا يرانا إلا الكواكب، فنظرت إليه هذه الأعرابية قائلة: وأين مكوكبها؟ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [المجادلة:٧] يوم تتطاير الصحف، وتنشر السجلات، وينادى عليك باسمك، وتعطى هذه الصحيفة، تلك الصحيفة التي لا تغادر بليةً كتمتها، ولا مخبأة أسررتها، فكم من معصية قد كنت نسيتها ذكرك الله إياها، وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها أظهرها الله لك وأبداها، فيا حسرة قلبك وقتها على ما فرطت في دنياك من طاعة مولاك.

تذكر وقوفك يوم العرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا

والنار تلهب من غيظ ومن حنق على العصاة ورب العرش غضبانا

اقرأ كتابك يا عبدي مهلٍ فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا

فلما قرأت ولم تنكر قراءته وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا

نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبد عصى للنار عطشانا

المشركون غداً في النار يلتهبوا والمؤمنون بدار الخلد سكانا

أسأل الله جل وعلا أن يختم لي ولكم بخاتمة التوحيد.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.