للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قلة العلم بالله وضعف التوحيد سبب لقسوة القلب]

البعض لا يتأثر بالقرآن، ولا يتأثر بكلام النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يتأثر بالموعظة ولو كانت مؤثرة، بل ولا يتأثر بعبرة على أرض الواقع مؤلمة، كأن يهلك الله طاغوتاً من الطواغيت، أو كأن يأخذ الله فرعوناً من الفراعنة، أو كأن يرى الإنسان حادثاً مؤلماً بين يديه على الطريق، فيرى إنساناً مزقت أشلاؤه أو تناثرت دماؤه، ومع ذلك قد ينظر بعين جامدة وبقلب قاسٍ إلى كل هذه العظات والعبر.

وقد تسمع أذنه الموعظة فلا يتحرك قلبه، ولا يخشع جلده ولا تلين جارحته! لماذا؟ لأنه لا يتأثر بكل هذا -أيها الأحبة- إلا من وحد الله جل وعلا وخاف الله سبحانه، وعمل حساباً لعمل الآخرة، قال جل وعلا: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} [هود:١٠٢ - ١٠٣]؛ من الذي يعتبر بها؟ من الذي يتعظ ويتأثر بها؟ تدبر كلام الله جل وعلا: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:١٠٣ - ١٠٨]، فعلى قدر علمك بالله يكون الحياء والخوف منه، فقف على حسب معرفتك وعلمك بالله! يا من تتجرأ على معصية الله جل وعلا! يا من ترخي الستور، وتغلق الأبواب، وتبارز الله جل وعلا بالمعصية، وأنت تظن -يا مسكين- أنه لا يسمعك ولا يراك! كن اليوم على يقين أنك لا تعرف الله جل وعلا؛ لأنه على قدر علمك بالله يكون حياؤك منه، وعلى قدر معرفتك بالله يكون خوفك منه، كما قال أعرف الناس بربه صلى الله عليه وسلم: (أنا أعلمكم بالله، وأنا أشدكم له خشية)