للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تأسيس الأسرة المسلمة على المنهج التربوي الإسلامي]

ثانياً: تأسيس الأسرة المسلمة منذ البداية على هذا المنهج التربوي الإسلامي، وذلك باختيار الزوجة الصالحة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، وحسبها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، والمسلمة تتخير الزوج الصالح أيضاً، فإن الحياة الزوجية -إن بنيت على هذا الأساس التربوي الإسلامي النبوي- تسعد الأسرة، وتُسعد الأسرة مجتمعها الإسلامي الكبير، إن الحياة الزوجية مملكة إيمانية، الزوج ملكها وربانها، والمسير لدفة شئونها وأمورها؛ بما جعل الله له من قوامة، والزوجة ملكة متوجة هي الأخرى في هذه المملكة؛ لأنها شريكة الحياة، ورفيقة الدرب، وقرة العين، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:٢١]، والرعية بين هذين الملكين الكريمين هم: لب الفؤاد وفلذة الكبد، وهم زهرة الحياة الدنيا، هم الأولاد، الذي قال الله تعالى فيهم: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:٤٦]، فإذا ظلل الحياة الزوجية منهج رب البرية وسيد البشرية، عاشت هذه المملكة حياة إيمانية كريمة، وآتت هذه المملكة ثمارها كل صبح وعشية، ولو ظهر في يوم من الأيام نبتة شوك في أرضها -لخلاف ما أو لمشكلة أسرية- فسرعان ما تذبل هذه النبتة؛ لأنها لا يمكن أبداً أن تحيا في أرض طاهرة زكية، تظلل بمنهج رب البرية وسيد البشرية صلى الله عليه وسلم، هنا سيرحم الزوج امرأته، وسترحم المرأة زوجها، وسيتخلق هذا البيت بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم.

جميل -والله- أن أبلغ حضراتكم أن المصطفى قد حرم على نفسه ما أحل الله له؛ من أجل أن يرضي نساءه، هل تعلمون ذلك؟ الحديث في الصحيحين: (لقد اتفقت عائشة وحفصة -رضوان الله عليهما وعلى زوجات النبي الطاهرات-، على رسول الله؛ غيرة من زينب بنت جحش، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على حفصة فابتعدت عنه، وقالت: إني أجد -أي: أشم- منك ريح مغافير) ومغافير: نبتة أو زهرة تنبت في أرض المدينة، لها رائحة كريهة، هل تتصور ذلك وعرق المصطفى أطيب من المسك؟! والله لا أقول ذلك من باب العاطفة، بل أقول ذلك من باب التحقيق العلمي: إن عرق الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم أطيب من المسك؛ ففي الصحيحين من حديث أنس قال: (خدمت رسول الله عشر سنين، فما قال لي: أف قط، وما قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟ وما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكاً ولا عنبراً أطيب من ريح رسول الله) وفي صحيح مسلم ومسند أحمد من حديث أم سليم: (نام النبي عندها في وقت القيلولة، فعرق رسول الله، فجاءت أم سليم بقارورة، وأخذت تسلت عرق المصطفى في هذه القارورة، فاستيقظ النبي وهو يقول: ما تصنعين يا أم سليم؟! فقالت: فقال: عرقك أطيب من طيبنا يا رسول الله!) والشاهد: (أن النبي دخل النبي على حفصة فابتعدت عنه، وقالت: إني أشم منك ريح مغافير، فقال الحبيب: والله ما أكلت شيئاً -يعني: ليغير رائحة فمي- والله ما أكلت إلا العسل عند زينب، وترك النبي حفصة، ودخل على عائشة، فقالت مثل ما قالت حفصة بترتيب واتفاق، فقالت: إني أجد منك ريح مغافير يا رسول الله! قال: والله ما أكلت شيئاً، والله ما أكلت إلا العسل عند زينب، والله لا آكل العسل بعد اليوم، فنزل القرآن -وتدبر كلام الرحيم الرحمن-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم:١]).

فالحياة الزوجية إن أسست وأصلت، ووضع أساسها وبنيانها على المنهج الرباني والنبوي سعدت هذه الأسرة، وأسعدت أسرتها الكبيرة التي تتمثل في أمة الإسلام والتوحيد.