للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لمن الملك اليوم]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام الغر المحجلين.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحبتي في الله! هكذا يقول الحق جلا وعلا: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٤] هذه هي الحقيقة الكبرى في هذا الوجود.

يا من غرك غناك! يا من غرتك قوتك! يا من غرتك أموالك! يا من غرك جاهك! يا من غرتك وزارتك! يا من غرك جندك! اعلم بأنك موروث اعلم بأنك راحل إلى لله جل وعلا، فمهما طالت دنياك فهي قصيرة ومهما عظمت دنياك فهي حقيرة؛ لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر، ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر، إن الله جل وعلا هو الوارث لكل شيء، وهو والوارث لكل حي: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٤٠].

ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:٦].

ويقول سبحانه: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق:٨].

ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} [مريم:٤٠].

إذا أمر الله إسرافيل بنفخة الصعق، مات كل حي على ظهر هذه الأرض، وكل حي في السموات إلا من شاء الله جل وعلا كما قال ربنا: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:٦٨]، فإذا ما أفنى الله خلقه وذهب كل شيء، فلا يبقى إلا الله، فهو الأول والآخر، هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.

سكون مذهل وخشوع مزلزل، لا حس ولا حركة ولا صوت، ضاع كل شيء، وذهب كل شيء، وأفنى الله كل شيء، وفي وسط هذا السكون وهذا الصمت وهذا الخشوع، ينطلق صوت رهيب جليل مهيب! يسأل صاحب الصوت ويجيب، فما في الوجود يومئذٍ من سائل غيره ولا مجيب، يهتف الحق جل وعلا بصوته ويقول: (أنا الملك، أين ملوك الأرض؟! أين المتجبرون؟! أين المتكبرون؟!).

وفي رواية مسلم: يقول جل وعلا: (لمن الملك اليوم؟ فيجيب سبحانه عن ذاته بقوله: لله الواحد القهار)، أين الملوك؟! أين الظالمون؟! وأين التابعون لهم في الغي؟! بل أين فرعون وهامان؟! أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلم وطغيان هل خلد الموت ذا عز لعزته أو هل نجا منه بالسلطان إنسان لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان وقال الآخر: يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليل فتأهبي يا نفس لا يلعب بك الأمل الطويل فلتنزلن بمنزل ينسى الخليل به الخليل وليركبن عليك فيه من الثرى ثقل ثقيل قرن الفناء بنا فما يبقى العزيز ولا الذليل {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٤٠].

فيا من غرتك أموالك! يا من غرتك الدولارات والريالات! اعلم بأنك راحل إلى رب الأرض والسماوات، اعلم بأنك موقوف بين يدي الله جل وعلا.

تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا وصار وزري على ظهري فأثقلني وبعد كل ذلك فإن الجميع موروث إلى الله جل وعلا: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٤٠].

اعلم بأنك راحل إلى الله وموقوف بين يدي الله، ستعرض على محكمة قاضيها الله، لتقرأ كتابك الذي سطر عليك كل شيء، في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى! فيا أيها المسكين! أيها الغافل! أيها اللاهي الساهي! إلى متى إلى متى؟ عد إلى الله ارجع إلى الله جل وعلا إن العمر قليل، وإن الأنفاس محسوبة، وإن الأيام معدودة.

دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٤٠].

أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب.

اللهم اقبل منا الصيام والقيام اللهم اقبل منا الصيام والقيام اللهم لا تجعلنا ممن صام وقام ولم يرضك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم لا تدع اللهم لأحد منا في هذا الجمع الطيب ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين! اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل اللهم فينا ولا منا ولا بيننا شقياً ولا محروماً، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى.

اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمتي الحق والدين.

اللهم قيض لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه، ووفق اللهم ولاة الأمور للعمل بكتابك، والاقتداء بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد، فإن الله جل وعلا وملائكته يصلون عليه، وقد أمركم بالصلاة عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

هذا وما كان من توفيق فمن الله جل وعلا، وما كان من خطأ أو زلل أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويقذف به في جهنم، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.