للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدعاء وقول الخير عند المحتضر]

ثانياً: على من حضر الميت أن يتضرع إلى الله بالدعاء له، ولا يقول في حضرته إلا خيراً؛ لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيراً، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون)، والحديث رواه مسلم والبيهقي.

يعني: لو مات الميت فلا يقال إلا خيراً، فلو صرخت المرأة في البيت وقالت: يا سبعي! يا جملي! فإن الملائكة تؤمن على هذا القول، ولا ينتفي الوزر عن الميت إلا إن أوصى أنه متبرئ من كل ما يخالف الشرع، فاكتب وصيتك من الآن ولا تسوف، فإن الموت يأتي بغتة، وأوص بكل ما تريد، تبرأ من كل مخالفة يرتكبها الأهل بعد الموت، فربما بعض أهلك يصر على أن يضع لك صواناً أو خيمة ضخمة، وينفق من أموال اليتامى ما لا يحق له بحال، فهذا أكل لمال اليتامى بالباطل والظلم.

والله تعالى يتوعد من أكل أموال اليتامى بوعيد شديد فيقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء:١٠]، وهذا من الظلم؛ لأنه تضييع لأموال اليتامى بغير حق: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:١٠].

والمراد بالتلقين: أن تقول له: قل: لا إله إلا الله وهو يحتضر، وليس التلقين بعد الدفن، فتلقين الميت بعد الدفن في القبر ليس من السنة، ولم يثبت هذا عن صاحب السنة صلى الله عليه وسلم، إنما التلقين إذا نام الميت على فراش الموت واحتضر، تلقنه: لا إله إلا الله؛ لينطق بها ويرددها خلفك، وليقل هو بلسانه: لا إله إلا الله.

أما التلقين في القبر بعد الموت فلم يثبت هذا أبداً عن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، والرواية الواردة في هذا الباب رواية لا تصح بحال عن النبي المختار عليه الصلاة والسلام.

وجاء في حديث أنس الذي رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد -يعني: زار- رجلاً فقال النبي له: يا خال! يا خال! قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله).

وأود أن أذكر أيضاً بأنه إذا قال المحتضر: لا إله إلا الله مرة كفى، ولا ينبغي أن نلح عليه ليكررها حتى ولو طال وقت الموت، فهذا هو آخر كلامه في الدنيا، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: (يا خال! قل: لا إله إلا الله فقال: -أي: هذا المحتضر-أخال أم عم؟ فقال: بل خال -وكان من أخواله عليه الصلاة والسلام- فقال للنبي: فخير لي أن أقول: لا إله إلا الله؟ فقال: نعم).

أما قراءة سورة يس عند الميت أثناء الاحتضار، وتوجيه الميت نحو القبلة، فكل ذلك لم يثبت ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالميت أصلاً موحد مسلم لا يحتاج أن يثبت له إسلامه بعد الموت بتوجيهه نحو القبلة، فهذا من التكلف الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، وما اعتاد عليه جل المسلمين من توجيه الميت نحو القبلة حتى يجهز ويغسل ويدفن ليس عليه دليل، بل لقد كره إمام التابعين سعيد بن المسيب ذلك، وقال قولة جميلة: أليس الميت امرأً مسلماً؟! فعن أبي زرعة أنه شهد سعيد بن المسيب في مرضه، وعنده أبو سلمة بن عبد الرحمن وهو من العلماء، فغشي على سعيد بن المسيب -أغمي عليه- فأمر أبو سلمة بن عبد الرحمن أن يحولوا فراش سعيد بن المسيب نحو الكعبة وسعيد -رحمة الله عليه- في إغماءة الموت، فأفاق سعيد بن المسيب فوجد أنه قد وجه فراشه فقال: حولتم فراشي؟! قالوا: نعم، فنظر إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن وقال: أراه بعلمك؟! يعني: أنت الذي وجهت إلى ذلك، فقال: نعم، أنا الذي أمرتهم، فأمر سعيد بن المسيب أن يعيدوا فراشه إلى ما كان، وقال قولته الجميلة: أليس الميت امرأً مسلماً؟! مادام لم يثبت هذا عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي أن نتكلف ما لم يفعله الحبيب عليه الصلاة والسلام.

ولا بأس أن يحضر المسلم وفاة رجل كافر؛ ليلقنه الشهادة لعلَّّ الله أن يرزقه الشهادة؛ فإن كان لك جار يهودي أو نصراني وسمعت أنه يحتضر فلا بأس أن تسرع إليه بنية أن تذكره بالإسلام والتوحيد: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).

والدليل على ذلك ما رواه البخاري وأحمد والحاكم وغيرهم من حديث أنس رضي الله عنه قال: (كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض الغلام، فأتاه النبي يعوده -يعني: يزوره- فقعد النبي عند رأسه، وقال له عليه الصلاة والسلام: أسلم -يعني: قل: لا إله إلا الله- فنظر الغلام إلى أبيه -وهو رجل يهودي - فقال الأب لولده: أطع أبا القاسم.

فأسلم الغلام، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عند الغلام وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار)، وصدق ربي وهو العزيز الغفار إذ يقول في حق نبينا وهو النبي المختار: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨]، وصدق ربي إذ يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧]، فهو رحمة للمؤمنين، بل ورحمة للعالمين من المشركين والمسلمين، فمن آمن به فقد رحم في الدنيا والآخرة، ومن كفر به فقد رحم في الدنيا من عذاب الله، ثم بعد ذلك ينال هذا الكافر بالنبي عذابه في الآخرة.

فلما مات هذا الغلام اليهودي قال النبي عليه الصلاة والسلام: (صلوا على صاحبكم).