للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفات المنافقين]

أصبحت الأمة لا تفرق بين هذا وبين ذاك، مع أن الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم قد وصف لنا هذا الصنف الخبيث وصفاً دقيقاً محكماً في حديث رواه البخاري ومسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه، واسمع أيها الموحد لله إلى هذا الحديث، وأصغ لي سمعك، وأحضر لي قلبك، يقول حذيفة: (كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير -أي: بهذا الإسلام العظيم، وبهذا الدين الكريم- فهل بعد هذا الخير من شر؟ فقال الحبيب: نعم، فقال حذيفة: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ فقال الحبيب: نعم، وفيه دخن -خير سيأتي بعد هذا الشر لكن فيه دخن- فقال حذيفة: وما دخنه يا رسول الله؟! فقال الحبيب: قوم يهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، فقال حذيفة: فهل بعد هذا الخير -أي: الذي شابه هذا الدخن- من شر يا رسول الله؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقال حذيفة: صفهم لنا -يا رسول الله- لنتقي شرهم) أي: لنتقي خطرهم، ولنعرف خبثهم، ولنعرف صفتهم؛ لأنهم قد يزينون لنا الكلام؛ فهم من ألطف الناس بياناً، ومن أفصح الناس كلاماً، ومن أعظم الناس أجساماً، ومن أحسن الناس بياناً، ومن أحسن الناس جمالاً، قال عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} [البقرة:٢٠٤ - ٢٠٥]، ولا يؤلمه إلا أن يتكاثر نسل المسلمين، لا يسعده أن يتكاثر نسل الضعفاء من الدول النامية على حد تعبيرهم وزعمهم، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ} [البقرة:٢٠٥ - ٢٠٦] اتق الله! واعلم بأن الرزاق هو الله، اتق الله! واعلم بأن الملك كله لله.

اتق الله! ولا تخش معونة أمريكية، ولا تخش معونة شرقية، واعلم بأن الذي يرزق الكلاب هو الله، أفيرزق الله الكلاب وينسى الموحدين؟!! اتق الله واعلم بأن الرزق والأمر بيد الله، واعلم بأن الملك كله لله، واعلم بأن الضر والنفع بيد الله، واعلم بأن الخافض الرافع هو الله، واعلم بأن القابض الباسط هو الله، واعلم بأن الكون كله لله، قال عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ} [الأعراف:٩٦]، فقال هذا الصنف: لا نصدق الله، بل نكذب الله، ونكذب رسول الله، ونصدق الشرق الملحد، ونصدق الغرب الكافر!! {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا} [الأعراف:٩٦] أي: لو كانوا أهل إيمان بالله وتقوى لله، {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:٩٦]، من الذي يفتح؟ هل الشرق الملحد أم الغرب الكافر؟! لا ورب الكعبة! فنريد إيماناً يملأ القلوب، ونريد يقيناً في كلام علام الغيوب.

والله! إن القلب ليتقطع، وما من يوم يمر علي إلا وأجلس لأتابع وثيقة هذا المؤتمر، فيكاد قلبي أن ينخلع، يشرعون للدعارة، ويشرعون لسوء الأخلاق، ويريدون أن يحطموا الأسرة، ويريدون أن يلقوا الإسلام، ثم بعد ذلك يعلنون الحرب على الإرهاب والتطرف، وعلى كل من يحذر اليوم من مؤتمر السكان! هل هذا هو الحوار؟! وهل هذه هي الديمقراطية؟! وهل هذه الحرية؟! فليقرأ كل مسلم غيور هذه الوثيقة المشبوهة الداعرة؛ ليتعرف على خطورة الأمر، وعلى أن الأمر جلل، وعلى أن الأمر عظيم، وعلى أن الكارثة -والله- لا تبقي على الأخضر ولا على اليابس.

فلابد أن نعي هذه الحقائق، لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ألا يكتموه وأن يبينوه، ورب الكعبة! ما تعودت أن أثير العواطف، ولا أن أهيج المشاعر، ولكن سامحوني واعذروني؛ فإني كأي مسلم يخشى على دين الله، ويتحرق قلبه لدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويتألم لأحوال أمته ولأحوال أهل ملته التي أسأل الله في عليائه وسمائه أن يحميها، وأن يحرسها، وأن يحفظ عليها توحيدها، وأن يحفظ عليها دينها، إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير.

أيها الأحبة الكرام! لابد أن تستقر هذه الحقائق في قلوبنا وعقولنا، فإن مكمن الخطر الحقيقي يكمن في أن تعلن الحرب على الإسلام من هذه العصبة التي تعلن الإسلام بلسانها، وتخفي العداء لهذا الدين بقلبها، قال عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:٢٠٦].

قال حذيفة: صفهم لنا يا رسول الله! أي: حتى نحذر ونتقي شرهم، فقال الحبيب: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا) وفي لفظ مسلم: (قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، فقال حذيفة: فما تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله؟! قال: أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قال: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: أن تعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).

هذا الصنف الخبيث الخطير جلس على أبواب جهنم يدعو الناس إليها بأقواله وأفعاله وتقاريره وتشريعاته من دون الله عز وجل، ومع هذا لبسوا ثياب أهل الإيمان وقلوبهم قلوب أهل الزيغ والخسران، فالظواهر ظواهر الأنصار، والبواطن قد تحيزت إلى المنافقين والفجار، وليس هذا حكماً منا على بواطن الناس؛ فإن الأمر لله جل وعلا، ولكننا نقول هذا من منطلق قول الله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:٦٠ - ٦١].

إذاً: أيها الأحبة الكرام! لابد أن نعي أن مكمن الخطر يتمثل في جيش فكري أمين يناصر أعداء هذا الدين، ولا يفتأ أفراد هذا الجيش أن يعلنوا الحرب الهوجاء على الإسلام والمسلمين من آنٍ لآخر؛ فاحذروا هذا الصنف، واعلموا خطره، واسمعوا بآذانكم وقلوبكم إلى الدعاة الصادقين والهداة المخلصين الذين يدعون الناس إلى الجنة بأقوالهم وأفعالهم.

أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا منهم، بمنه وكرمه؛ إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير.