للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سنة الابتلاء والتمحيص]

الدولة الآن للكفر وأهله، وتأتي بعد سنة التداول سنة الابتلاء، فما تحياه الأمة الآن إنها سنة أخرى من سنن الله في الكون إنها سنة الابتلاء، لماذا أيها الإخوة؟ للتمحيص، واحفظوا عني هذه العبارة جيداً، أقول: إن ما يجري الآن على أرض فلسطين، وما يجري الآن على أرض أفغانستان، وما يجري الآن على أرض الشيشان، وما يجري الآن على أرض الفلبين، وما يجري الآن في الأمة، إنما هو تربية من الله للأمة بالأحداث، إنها مرحلة التربية السماوية، الأمة لا تجد من يربي أفرادها، لا من الزعماء، ولا من العلماء إلا من رحم ربك من أفراد، فنشهد الآن مرحلة شديدة من مراحل التربية لأفراد الأمة، إنها التربية بالأحداث.

فما يجري الآن على أرض فلسطين تربية، ولابد من الابتلاء للتمحيص وللتمييز، أما حالة الخلط والغبش التي تحياها الأمة فلن تنصر لله ديناً، ولن تنصر للتوحيد عقيدة، ولن ترفع للإسلام راية، فلابد من المفاصلة، لابد من إقامة الفرقان الإسلامي، لابد أن تستبين سبيل المؤمنين من سبيل المجرمين، لابد من هذه المرحلة: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:١ - ٣].

وانتبه! فالله جل وعلا يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، فالله سبحانه لا يعلم الصادق من الكاذب بعد الأحداث، بل الله يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، وإنما هو علم للأفراد السائرين على الدرب؛ ليثبت على الصف من يستحق شرف السير على طريق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هناك صنفاً يسير على طريق الدعوة إلى الله، يتاجر بالدعوة ويتاجر بالاستقامة يتاجر بالإسلام، يظن أن الدعوة صفقة تجارية! إن حقق الربح فهو سائر على الدرب مع السائرين، وإن تعرض لمحنة أو فتنة نكص على عقبيه وتقهقر: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:١١].

لابد من التمايز، لابد من التمحيص، ولن يكون هذا التمحيص إلا بعد الابتلاء والمحن والفتن.

فما يحدث الآن إنما هو نوع من أنواع التربية، لقد علمت الأمة كلها الآن أن الكفر لا ينصر للأمة قضية، ومن الحكم العظيمة في تأخير الله للنصر -وتدبروا هذه الحكمة البالغة- ألا يبقى في صف العدو سمة من سمات الخير، حتى لا يغتر بهذه السمة ضعاف الفهم وضعاف الإيمان، فلقد شاء الله لنا الآن أن نرى العدو على حقيقته.

من سنوات قليلة مضت كنا نسمع على ألسنة كثيرٍ من الكتاب والمفكرين والأدباء، العدالة الأوروبية والعدالة الأمريكية! وأن أوراق القضية على مائدة الأمريكان، وأنه لابد من التدخل الأوروبي، إلى آخر هذه الكلمات.

فشاء الله أن نرى في هذه الأيام القليلة الماضية أن الكفر لا ينصر إيماناً، وأن الشرك لا ينصر توحيداً.

فحال أمتنا حال عجيب! وهي لعمر الله بائسة كئيبة يجتاحها طوفان المؤامرة الرهيبة! ويخطط المتآمرون كي يغرقوها في المصيبة! وسيحفرون لها قبوراً ضد خطتهم رهيبة! قالوا: السلام السلام قلت يعود الأهل للأرض السليبة! وسيلبس الأقصى غداً بعد السلام أثواباً قشيبة! فإذا سلامهم هو التنازل عن القدس الحبيبة! فبئس سلامهم إذاً وبئست هذه الخطط المريبة! شاء الله أن يرى كل عاقل وكل منصف حقيقة الغرب وحقيقة الكفر، لقد سمعت امرأة علمانية تقول بالحرف: (هذا ليس سلام شجعان، وإنما هو سلام فئران) شاء الله بهذه الأحداث أن يظهر العدو على حقيقته، بدا من العدو السافر للإسلام الحقد والبغض، وصدق ربي إذ يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠]، وصدق ربي إذ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:٥١]، وصدق ربي إذ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:١١٨]، وصدق ربي إذ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة:١].

أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له ما ذاك في الإمكان وكذا تعادي جاهداً أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان إن المحبة أن توافق من تحب على محبته بلا نقصان فإن ادعيت له المحبة مع خلا فك ما يحب فأنت ذو بطلان وقال آخر: لو صدقت الله فيما زعمته لعاديت من بالله ويحك يكفر وواليت أهل الحق سراً وجهرة وكيف تواليهم وللكفر تنصر فما كل من قد قال ما قلت مسلم ولكن بأشراط هنالك تذكر مباينة الكفار في كل موطن إذا جاءك النص الصحيح المقرر وتصدع بالتوحيد بين ظهورهم وتدعوهم سراً لذاك وتجهر هذا هو الدين الحنيفي والهدى وملة إبراهيم لو كنت تشعر فما يحدث الآن إنما هو تربية للأمة بالأحداث، فلقد شاء الله أن يربي الأمة بالأحداث في غزوة بدر، وبالأحداث في غزوة أحد، وبالأحداث في غزوة الأحزاب، وبالأحداث في صلح الحديبية وغيرها من الأحداث، نزل في أحد قول الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:١٤٤]، وكأن الله جل وعلا أراد أن يعلم الأمة أن الدعاة إلى الله يجيئون ويذهبون ويخطئون ويموتون وتبقى الدعوة وستبقى خالدة على مر الأجيال والقرون، لو قتل النبي صلى الله عليه وسلم فواجب عليكم يا أتباع النبي أن ترفعوا الراية، وأن تواصلوا السير على الطريق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء ليخلد في الأرض، وما جاء ليبقى بين الناس، بل جاء مبلغاً دين الله، وليبلغ دعوة الله ثم يمضي إلى ربه، والناس بدعوة الله وبالعروة الوثقى متمسكون، فالأمة الآن تربى بالأحداث، رأينا الآن على أرض فلسطين تسطير البطولة فوق القدس.

رأينا أمثلة ونماذج تحاكي السلف، لا أقول ذلك من باب العاطفة، والله لقد خرج طفل في العاشرة من عمره فسأله رجل كبير من الشيوخ حينما رآه يلبس زياً عسكرياً يشبه زي الجنود، فقال له: إلى أين يا بني؟! وهو طفل في العاشرة، فقال: إلى الجهاد، وهذا على أرض فلسطين.

قال: إلى الجهاد؟ قال: نعم، قال: ما اسمك؟ قال: محمد، قال: كم عمرك يا محمد؟ قال: عشر سنوات، قال: أين أبوك؟ قال: استشهد قبل أربعين يوماً! قال: ألك إخوة؟ قال: رزقني الله بست أخوات وأنا الابن الوحيد! قال: هل استأذنت أمك يا محمد للخروج إلى الجهاد؟ قال: نعم استأذنت أمي! قال: وماذا قالت لك؟ فقال محمد ابن العاشرة: قالت لي أمي وأنا خارج: انطلق يا محمد للجهاد، وأسأل الله أن يلحقك بأبيك!! رأيت بعيني أماً فلسطينية تحمل رضيعها على ذراعها الأيسر وتنحني على الأرض لتأتي بحجر إلى ولدها الذي لم يبلغ الثانية عشرة من عمره وتأمر الأم ولدها أن يقذف دبابة لا تبتعد إلا عشرة أمتار، تأمر الأم ولدها أن يقذف الدبابة بالحجر!! إنها التربية بالأحداث، لقد علم هؤلاء أن الغرب لن ينصر لهم قضية، بل وأن العالم الإسلامي الهزيل المهزوم لن ينصر لهم قضية، فلجئوا إلى الله جل وعلا، واعتصموا بالله تبارك وتعالى، وقدموا أرواحهم في سبيل الله جل جلاله فرأينا العجب العجاب، حتى صرح أكابر جنرالات اليهود الآن أنهم صاروا يخشون كل شيء على أرض فلسطين! يقول الجنرال الكبير: صرت أخشى صندوق القمامة، صرت أخشى الحقيبة حين أفتحها، صرت أخشى الباص حين يمر بجواري، أصبحوا ينتظرون القتل والموت في كل لحظة! وأبشروا! فلقد تحولت انتفاضة إخواننا هنالك إلى انتفاضة مسلحة، صنع إخواننا الصواريخ بأيد مسلمة على أرض فلسطين، صنع إخواننا القنابل، ومع هذه الأسلحة أعظم الأسلحة وهو سلاح الإيمان واليقين، دب الرعب في قلوب إخوان القردة والخنازير، وصدق ربي إذ يقول: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:١٤٠].