للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سنة التغيير]

ثم تدبروا معي! بدأت الأمة تنحدر وتغير، فوقعت سنة التغيير فغير الله عليهم {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١]، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال:٥٣].

وسنتطرق إلى هذا التفصيل المهم حتى لا نصطدم بالواقع إذا تدبرنا آيات القرآن: ففي جانب العقيدة غيرت الأمة وبدلت، فذبحت العقيدة في الأمة شر ذبحة، وهجرت الأمة عقيدة التوحيد بشمولها وكمالها وصفائها، ففي الأمس القريب كانت العقيدة إذا مس جانبها سمعت الصديق يتوعد، والفاروق يزمجر! ورأيت المؤمنين الصادقين يبذلون من أجلها الغالي والنفيس.

لكن العقيدة الآن تذبح في الأمة شر ذبحة، فمن هذه الأمة نرى الملايين المملينة التي لا تعرف الله جل وعلا، ولا تعرف قدره، ولا تعرف جلاله، بل ومازال كثير من أفراد هذه الأمة إلى هذه اللحظة يثق في بعض دول الغرب أكثر من ثقته برب السماء والأرض، وسمعنا زعيماً لدولة خرجت من بين الدماء والأشلاء، ومازالت في هذا الوحل إلى هذه اللحظات، سمعناه يقول: إنه ممن يعتقد أن للكون أقطاباً وأوتاداً وأبدالاً تدبر نظام الكون وتسير شئونه! وسمعنا هنا من يقول -على مرأى ومسمع وممن يشار إليهم بالبنان أنهم من أهل العلم- إننا نحتفل الليلة بمولد السيد البدوي المهاب، الذي إن دعي في البر والبحر أجاب.

وسمعنا من أفراد هذه الأمة ومن رموزها من يقول: لقد عزمنا على أن نأخذ كل ما عند الغربيين حتى الالتهابات التي في رئاتهم، والنجاسات التي في أمعائهم! وسمعنا من رموز هذه الأمة من يقول: إن تطبيق الشريعة الإسلامية ردة حضارية بكل المقاييس! إلى آخر هذه الكلمات الخطيرة.

نحت الأمة عقيدة التوحيد والإسلام، عقيدة تنبثق منها شريعة تنظم كل شئون الحياة، ولا يقبل الله من قوم شريعتهم إلا إذا صحت عقيدتهم.

غيرت الأمة في مجال العقيدة، وغيرت الأمة في مجال العبادة، صرفت العبادة في كثير من صورها إلى غير الله تبارك وتعالى، بركنيها: من كمال حب وكمال تعظيم، وبشرطيها: من إخلاص واتباع، صرفت لغير الله، والله تبارك وتعالى يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].

وغيرت الأمة في جانب التشريع، فنحت الأمة شرع الله جل وعلا بالجملة، واستبدلت بالعبير بعراً، وبالثريا ثرى، وبالرحيق المختوم حريقاً محرقاً مدمراً، وركبت الأمة قوارب الشرق الملحد تارة فغرقت وأغرقت، وركبت قوارب الغرب الكافر تارة فغرقت وأغرقت، وركبت قوارب الوسط الأوروبي فغرقت وأغرقت، والله تبارك وتعالى يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف:٤٠]، {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام:١١٤]، والله جل وعلا يقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥] وفي جانب الأخلاق والمعاملات والسلوك غيرت الأمة وبدلت، انظر إلى أخلاقيات المسلمين -إلا من رحم ربك- ترى انحرافاً مزرياً عن أخلاق الإسلام، وعن أخلاق النبي محمد عليه الصلاة والسلام.

غيرت الأمة في كل المجالات، فكانت السنة الحتمية لهذا التغيير كما قال ربنا جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١]، ماذا حدث؟! ذلت الأمة بعد عزة، وجهلت الأمة بعد علم، وضعفت الأمة بعد قوة، وأصبحت الأمة في ذيل القافلة البشرية، بل وأصبحت الأمة تتأرجح في سيرها، ولا تعرف طريقها، لا تعرف من توالي، ولا تعرف من تعادي، لا تعرف شيئاً عن عقيدة الولاء والبراء، لا تعرف شيئاً عن حقيقة الإرهاب.

الأمة في اجتماعها الأخير في ماليزيا، وهو اجتماع يتكون من خمسين دولة، لم تستطع الأمة بهذا العدد الضخم أن تعرف الإرهاب، واختلفت الأمة في حقيقة الإرهاب، واعترض وزير خارجية أكبر دولة إسلامية في ماليزيا على ما يحدث الآن في أرض فلسطين وقال: إن قتل المدنيين من اليهود هذا هو الإرهاب! قالوا تطرف جيلنا لما سما قدراً وأعطى للطهارة موثقا ورموه بالإرهاب حين أبى الخنا ومضى على درب الكرامة وارتقى أوكان إرهاباً جهاد نبينا بل كان حقاً في الكتاب مصدقا أتطرف إيماننا بالله في عصر تطرف في الهوى وتزندقا إن التطرف أن نذم محمداً والمقتدين به ونمدح عفلقا إن التطرف أن نرى من قومنا من صانع الكفر اللئيم وأطرقا فالأمة مازالت مختلفة في تعريف الإرهاب على أيدي أكابر مسئوليها! الأمة تحولت من حالة العلم إلى الجهل، ومن العز إلى الذل، ومن القوة إلى الضعف؛ لأنها سنة ربانية أودعها الله كونه، لا تتبدل ولا تتغير {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال:٥٣].