للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علماء الغرب واعترافهم بوجود الله]

وهناك عالم الطبيعة المشهور إسحاق نيوتن، وأنا لا أستشهد بقول هؤلاء لأثبت الحق الذي نحن عليه، كلا! فإنه لا يجوز لمسلم ألبتة أن يستشهد بكلام مخلوق على وجه الأرض على صدق الله وصدق رسوله، وأنا لا أستشهد بأقوال أهل العلم -علماء الطبيعة والجيولوجيا والفلك والرياضيات- على صحة وصدق قول الله وقول الرسول، ولا أستشهد بالنظريات العلمية على صدق كلام رب البرية وكلام سيد البشرية، إنما أنا أثبت للناس ممن -وبكل أسف- يصدقون ما يأتي من علماء الغرب لا أقول: كتصديقهم لكتاب الله، بل أشد من تصديقهم لكلام الله ورسوله! وهذا صنف موجود، وأنا لا أبالغ ولا أغالي، ولا أجيش العواطف بكلام فارغ أجوف، كلا! بل هذا صنف موجود يصدق كلام علماء الغرب أكثر من تصديقه لرب السماء والأرض، وأكثر من تصديقه للنبي صلى الله عليه وسلم رسول رب السماء والأرض! وقد ضربت قبل ذلك مثالاً بحديث الذباب: (إذا ولغ الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر دواءً) فكم ممن ينسبون إلى الإسلام قد ردوا هذا الحديث وأنكروه بدعوى أنه لا يعقل! ويقولون: كيف يعقل أن الذبابة إن سقطت في سائل كهذا أن يغمسها عاقل بدعوى أنها تحمل في أحد جناحيها الداء وفي الآخر الدواء؟ فلما قدم البحث من جامعة (هارفرد) وقام هذا العالم الشهير برثيلد وبحث هذا الحديث، ووجد أن الذبابة بالفعل تحمل في جناح من جناحيها داءً خطيراً عن طريق فيروس معين في جناح الذبابة، فإذا سقطت تفرز هذا الفيروس، ثم اكتشف هذا العالم أن الذبابة في الوقت ذاته تحمل على الجناح الآخر وعلى باطن الذبابة من أسفل نوعاً من أنواع الفطريات سماها هو (أميوزا موسكي) هذا الفطر الذي يمثل نوعاً واحداً من أنواع المضادات الحيوية لهذا الفيروس قال: بأن جراماً واحداً من هذا الفطر الذي يشكل مضاداً حيوياً على جناح أو على جسم الذبابة كفيل بأن يحمي ألفي لتر من اللبن المبستر من الجراثيم، والعجيب أن هذا العالم اكتشف أن الذبابة لا تفرز هذا الفطر الذي يشكل مضاداً حيوياً للفيروس إلا إذا غمست كلها في السائل، فمن الذي علم المصطفى ذلك؟! ولكن الذي يدمي القلب أن هذا البحث عندما قدم صدق كل من رد الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خلل! فيجب عليك أن تصدق وإن لم يقتنع عقلك، بشرط أن تثبت صحة الرواية إلى رسول الله، يعني: إن ثبتت نسبة هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالقواعد التي وضعها الصيارفة النقاد، والجهابذة الأعلام من علماء الحديث فيجب عليك حينئذ أن تسلم، وأن تستسلم لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يدركه عقلك؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، قال جل وعلا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:٣ - ٥].

فأنا أستدل بهذه الأقوال لعلماء الغرب من علماء الطبيعة والفلك والجيولوجيا لا لأصدق بكلامهم كلام ربنا وكلام نبينا صلى الله عليه وسلم، وإنما لأثبت لأصحاب هذه العقول الضعيفة -لا أريد أقول المريضة-أن الحق ما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم من عند ربنا جل جلاله.

ومنهجنا أننا نقبل الحق على لسان أي أحد، ونرد الباطل على لسان أي أحد، هذا منهجنا الذي ندين لله به، ولو كان من شيوخنا الذين نتتلمذ ونتربى ونتلقى العلم على أيديهم، من هذا المنطلق أقول: يقول إسحاق نيوتن عالم الطبيعة المشهور: لا تَشُكّوا في الخالق -والكلام لما يأتي من عالم من هؤلاء العلماء يكون له طعم، وهذا ليس من رجل موحد مؤمن يقول هذه عقيدته، ولكن لما يقول هذا الكلام عالم من غير المسلمين يكون له مغزىً- فإنه مما لا يعقل أن تكون المصادفات وحدها هي قاعدة هذا الوجود!! فليس بممكن أبداً أن تكون المصادفات وحدها هي قاعدة هذا الوجود، وليس بممكن أبداً أن تكون الصدفة هي التي خلقت هذا الوجود بهذا الإبداع والجمال والجلال، والله العظيم! الله العظيم! لو نظر عالم من هؤلاء العلماء الذين يؤمنون بالله إلى حبات الذرة لوحد الله وعبده؛ لو نظر إلى هذه الحبات اللؤلؤية البيضاء كيف رصت بهذا الجمال والإتقان والتناسق والإبداع -والله! لو أنصف- لوحد الله وعبده، ومستحيل أن ترص هذه الحبات بهذا الجمال والتناسق والإبداع على السنبلة صدفة! ويقول سبنسر نقلاً عن عالم آخر يقال له هرشل: كلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية، فالجيولوجيون والرياضيون والفلكيون والطبيعيون قد تعاونوا على تشييد صرح العلم، وهو صرح عظمة الله وحده إلى آخر هذه الأقوال الخطيرة التي قد ذكرت كثيراً منها.

وأنا أتحدث عن قضية الاستنساخ التي بدأت تطفو على السطح مرة أخرى من جديد، لكننا نؤكد ونكرر أنهم لن يتمكنوا من أن يخلقوا ذبابة، والاستنساخ ليس خلقاً يضاهي خلق الله عز وجل، وإنما هم يعملون على خلق لله، ألا وهو الحيوان المنوي والبويضة، فإن أرادوا أن يزعموا الخلق فعلاً فليخلقوا حيواناً منوياً واحداً! وصدق ربي حيث يقول: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة:٥٨ - ٥٩] سبحانه وتعالى.

ويقول سبنسر: إن العالم الذي يرى قطرة الماء، فيعلم أنها تتركب من الأكسجين والهيدروجين بنسبة خاصة -كم ذرة أكسجين؟ وكم ذرة هيدروجين؟! نسب دقيقة جداً- بحيث لو اختلفت هذه النسبة لكانت شيئاً آخر.

أي: لو اختلفت هذه النسبة لتحولت إلى نار مشتعلة متأججة، قال الله عز وجل: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار:٣] فهذه البحار التي نراها تتحول إلى نار مشتعلة يوم القيامة؛ لأن النسب التي هي موجودة بين الأكسجين والهيدروجين تختل، فيبقى الماء في اشتعالات ونار متأججة، فالنسبة الآن موضوعة بدقة لكي تكون ماءً، يقول: إن العالم الذي يرى قطرة الماء فيعلم أنها تتركب من الأكسجين والهيدروجين بنسبة خاصة، بحيث لو اختلفت هذه النسبة لكانت شيئاً آخر غير الماء، يعتقد عظمة الخالق وقدرته وحكمته وعلمه الواسع بصورة هي أقوى وأعظم من هذا الذي لا يرى في قطرة الماء إلا أنها نقطة ماء فحسب.

انظر إلى العالم الذي يدرك الحقائق، فالعالم عندما ينظر إلى نسب الأكسجين والهيدروجين في الماء يعرف لماذا نسبة الأكسجين زادت، ولماذا نسبة الهيدروجين قلَّت، فينظر إلى هذه الآية فيزداد إيماناً بالله سبحانه وتعالى، وهذا الإيمان يختلف عن إيمان العبد الذي ينظر إلى قطرة الماء على أنها قطرة ماء.

ويقول فرنسيس بيكون: إن القليل من الفلسفة يميل بعقل الإنسان إلى الإلحاد.

فما هي هذه الفلسفة؟ هذه الفلسفة طريق للإلحاد، مثل ما كانوا يعلمونا في الثانوية العامة وما زال، أول قاعدة: (أنا أشك، إذاً: أنا موجود) ومثل ما قلت في خطبة (صفحات سود): لو صدقوا لقالوا: (أنا أشك، إذاً: أنا دبوس) لكن ما هي علاقة الشك بالوجود؟ أنه بدأ حياته بالشك ابتداءً، والشك لا يمكن أبداً أن يوصل إلى حقيقة مطلقة أبداً، بل إن عصفت رياح الشكوك بالإيمان في القلوب ضل الخلق، ولذلك رب العزة سبحانه وتعالى يصف المؤمنين بأن رياح الشك لا تهب ولا تعصف بقلوبهم أبداً، كما قال عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:١٥] أي: لم يتشككوا.

إن من يبدأ بالشك لكي يصل إلى الحقيقة قد يضل، ومثل هذا إضلال لعقول أبنائنا وأولادنا، وكم من الناس اقتنع بهذه النظريات الفلسفية الباهتة الفارغة، التي يغني بطلانها عن إبطالها.

لكننا بكل أسف كنا نسلم العقول والقلوب لهؤلاء على أنهم لا ينطقون عن الهوى، فإذا جاء القول من عالم غربي سلمنا العقل والقلب وكأن هذا لا يخطئ!! ثم جاء بعد ذلك صنف خبيث ممن ينسبون إلى الإسلام في بلاد المسلمين فضخموا هؤلاء، ونفخوا فيهم؛ ليكونوا شيئاً مذكوراً، وهم في الحقيقة كالطبل الأجوف، يُسمَعُ من بعيد وباطنه من كل الخيرات خالٍ، فيقال مثلاً: عميد الأدب العربي والاجتماعي الأول للأزهر، والأستاذ الدكتور، ونحو ذلك، فنفخ في هذا الصنف الذي نسج على هذا الدرب المظلم -درب العلمانيين، ودرب علماء الغرب الملحدين- وقالوا كلمات خبيثة، وأنا لا أقول ذلك من باب الدعوى، كلا! وإنما هي حقائق.

وهل تتصور أن يقول رجل ينسب إلى العلم ويشار إليه بالبنان لطلابه في كلية الآداب: ارفعوا القداسة عن القرآن، واقرءوه كتاباً بين أيديكم كأي كتاب من الكتب التي تستحق النقد والثناء؟!! فأنا لا أقول ذلك من باب الدعاوى، أقول: هذه حقائق، ثم يقول: ليس للقرآن أن يحدثنا عن إبراهيم وعن إسماعيل فهذه أسطورة لا تستحق التصديق!! إلى آخر هذه الأقوال الكفرية.

يقول فرنسيس بيكون: إن القليل من الفلسفة يميل بعقل الإنسان إلى الإلحاد.

فالإنسان إذا تفلسف يصل إلى طريق مسدود مستحيل؛ لأن هناك حقائق لا يتوصل لها بالعقل أبداً، وهذا لأجل أن يختصر على نفسه الطريق، وهناك من الحقائق ما لا يستطيع بشر أن يصل إليها بعقل مجرد أبداً.

فرب العزة سبحانه وتعالى لا تصل بعقلك إلى صفات كماله وأسماء جلاله! ولابد من الوصول إلى هذه الحقيقة عن طريق الوحي، فهناك حقائق لا تستطيع التوصل إليها بالعقل، فأقول: إن القليل من الفلسفة يميل بعقل الإنسان إلى الإلحاد، ولكن التعمق فيها -أي: التعمق بالعقل في هذه الأشياء بإنصاف- ينتهي بالعقول إلى الإيمان، وذلك لأن عقل الإنسان قد يقف عندما يصادفه شيء من أسباب ثانوية مبعثرة، وهنا قد ينكر فلا يتابع السير إلى ما وراءها، ولكنه إذا أمعن النظر شهد سلسة الأسباب وكيف تتصل حلقاتها، ثم لا يجد بداً من التسليم بالله سبحانه وتعالى.

فهذه شهادة أولئك الذين رسخوا في علم الكون -الطبيعة والفيزياء- وأنا لا أريد أن أستطرد في أقوالهم، ورحم الله القائل: لله في الأفاق آيات لعل أقلها هو م