للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اليهود والدولة العثمانية]

أيها الحبيب! لا زلت معك في مراحل الصراع الطويلة التي بلغت أوجها في العصر الحديث، وتدبر معي وانتبه جيداً! لم ينته العنكبوت اليهودي الوقح عن نسج خيوطه الدقيقة، وحبك مؤامراته الرهيبة التي بلغت أوجها في العصر الحديث بإفراز هذه الغدة السرطانية الخبيثة، وبوضع هذا المولود اللقيط الذي يُعرف الآن بدولة إسرائيل فوق الثرى الطاهر للأرض المباركة مسرى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

وضُعت هذه الدولة غُصة وشوكة في قلب العالم الإسلامي بعد أن نجح اليهود في القضاء على الخلافة الإسلامية، والقضاء على السلطان البطل عبد الحميد طيب الله ثراه، ذلكم الرجل الذي شوهت الصهيونية الحاقدة صورته، وانطلقت الببغاوات العجماء لتحاكي ما يمليه الأسياد من الشرق والغرب دون وعي أو إدراك! هذا الرجل العظيم الذي حاول معه اليهود بكل الوسائل والسُبل أن يبيع لهم أرض فلسطين فأبى؛ وباءوا بالفشل الذريع.

لقد أرسل اليهود إلى السلطان عبد الحميد أول الأمر اليهودي الماسوني الثري قره صوه، فذهب إليه هذا اليهودي، وقال لسلطان الخلافة التي ضاعت: إني مندوب إلى جلالتكم عن الجمعية الماسونية؛ وجئت لأرجو جلالتكم أن تقبلوا خمسة ملايين ليرة ذهبية -انظروا إلى وسائل اليهود؛ فإنها لا تتغير بتغير الزمان والمكان- لتقبل جلالتكم خمسة ملايين ليرة ذهبية إلى خزينتكم الخاصة، ولتقبل مائة مليون ليرة ذهبية لخزينة الدولة؛ على أن تمنحوا لنا بعض الامتيازات في دولة فلسطين، فاستشاط السلطان غضباً، ونظر إلى الجالسين معه في مجلسه وقال لهم قولة عجيبة: أو ما تعرفون ما يريده هذا الخنزير؟! والتفت إليه بقوة وقال: اخرج عن وجهي أيها السافل! فخرج اليهودي, ولكن اليهود لا يملون، فقرر مؤسسُ الصهيونية العالمية الأول هيرتزل أن يذهب إلى السلطان بنفسه فذهب إليه هيرتزل بنفسه، وعرض عليه أن يبيع له فلسطين بأي ثمن، فرد عليه السلطان رداً عجيباً وقال: إن هذه الأرض قد امتلكها المسلمون بدمائهم، وهى لا تباع إلا بنفس الثمن!! ثم قال السلطان البطل: انصحوا الدكتور هيرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع؛ فإنني لا أستطيع أن أتخلى عن شبرٍ واحدٍ من هذه الأرض؛ فهي ليست ملكي، ولكنها ملك شعبي الذي ضحى في سبيلها، وروى ترابها بدمائه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، فإذا مزقت إمبراطوريتي يوماً فإنهم يستطيعون أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني أهون علي من أن أرى فلسطين قد بُتِرت من إمبراطوريتي، فإنني لا أستطيع أن أوافق على تشريح أجسادنا ونحن لا زلنا على قيد الحياة!!! هذا هو السلطان البطل الذي شوهوا صورته، ودرَّسوا صورته المقلوبة لأبنائنا وبناتنا، ولا زالت! وانطلق الببغاوات العجماء يرددون هذه الصورة المقلوبة في حق هذا السلطان خليفة المسلمين الذي أبقى الخلافة مدة طويلة لا يمكن أن تصدقونها اليوم بحال من الأحوال، إلا أنهم ما ملوا، واستطاعوا من خلال إثارة النعرات القومية أن يسقطوا السلطان عبد الحميد، وإثارة النعرات داخل البلاد خطر عظيم.