للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أزمة مفتعلة وحقد دفين]

لقد أثار الغرب في الأيام الماضية ضجة إعلامية كبيرة عما يسمونه بالأزمة السكانية أو الانفجار السكاني، إذ تشير وثيقة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية أنه بحلول عام (٢٠٥٠) يشير الإسقاطُ المنخفض للأمم المتحدة تعداداً سكانياً عالمياً يبلغ (٧.

٨) بليون نسمة، ويشير الإسقاطُ العالي لخبراء الإسكان في الأمم المتحدة تعداداً سكانياً عالمياً يبلغ (١٢.

٥) بليون نسمة، وهذا على حد قولهم! يقولون: وهذه كارثة بكل المقاييس، إذ من المستحيل أن تفي الأرض باحتياجات هذه الأفواه الجائعة! يقولون هذا، وقد نسي هذا الإنسان المتبجحُ المغرور أنه لن يستطيع مؤتمر للسكان على ظهر الأرض أن يحدد السكان على ظهر الأرض إلا بالقدر الذي يريد رازق السكان جل جلاله.

ونسي الإنسان المغرور أن من يأتي غداً إلى الحياة إنما سيأتي إلى هذه الحياة بأمر الله لا بأمر الهندسة الوراثية التي عبدها الغرب اليوم في الأرض من دون الله جل وعلا.

أما هؤلاء المتبجحون الذين جلسوا على الكراسي ليشرعوا وليقترحوا الحلول العاجلة لتلك الأزمة السكانية، -واضحك معي بملء فمك، فقد جلسوا ليناقشوا ويجادلوا فيمن يأتي إلى الحياة غداً ومن لا يأتي، ومن يُخلق ومن لا يخلق، وهم أنفسهم لا يملكون أن يكونوا بين الأحياء أو الأموات، فالكل راحل رغم أنفه وإن طالت به الحياة! {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨] جل جلاله! ولابد أن نعلم -أيها الأحبة الكرام- وأن تستقر هذه الحقائق في قلب كل مسلم أن الغرب ما تحرك في هذه الأيام الماضية لحل هذه الأزمة المفتعلة والتي يسمونها بالأزمة السكانية من أجل سواد عيون الدول النامية، أو حرصاً على شعوبها، أو خوفاً على مطعام أهلها، كلا، فإن الغرب لا يزعجه مطلقاً أن تعيش هذه الأفواه أو أن تموت، بل إنه هو الذي يبيدها كل يوم بهذه الأسلحة الفتاكة المدمرة التي أعدت لتبيد البشرية جمعاء.

أيها الأحباب! لا يتورع الغرب كل يوم عن أن يبيد العشرات -أو إن شئت فقل: المئات- بأسلحة الدمار التي اخترعها، بل وبحرمان الدول النامية -التي جاء الغرب اليوم ليتغنى بأنه ما جاء إلا لتنمية مواردها الاقتصادية- من هذا الفائض الكبير في موارده الإنتاجية، ويتعمد أن يلقي بهذا الفائض من تلك الموارد في البحر وهو يرى بعينه الآلاف المؤلفة من أبناء هذه الدول يموتون جوعاً ولا يقدم لهم شيئاً؛ لأنه لا يريد لأهل هذه البلاد الإسلامية أن ترفع رءوسها خفاقة عالية، بل تظل دول العالم الثالث -على حد تعبير الغربيين- قصعة مستباحة لهؤلاء المجرمين والموتورين.

لابد أن نعلم يقيناً وأن تستقر هذه الحقائق في قلوبنا: أن الغرب الكافر ما تحرك اليوم لحل المشكلة السكانية في دول العالم الثالث -على حد تعبيرهم- إلا خوفاً على مصالحه، وخوفاً من أن يهتز ميزان القوى العالمية، وأن تتحول السيادة بعد ذلك إلى الشرق المسلم، وهذا الكلام لا أقوله تضميداً للجراح، ولا تسكيناً للآلام، ولا من باب الأحلام الوردية، كلا، ولكنها دراساتهم وأبحاثهم التي تأصل هذه الحقائق التي يغفل عنها المسلمون وحكامهم.