للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحلول المقترحة من المؤتمرات الغربية لحل الأزمة]

أيها الأحبة! ومن ثم جاءت الحلول المقترحة -وهي تضحك وتبكي في آن واحد، وهي: أولاً: خرج علينا جراح كبير في لندن يقترح حلاً جذرياً لمشكلة الانفجار السكاني، إذ يقول هذا العبقري الفذ: إنني أقترح حلاً لمشكلة الانفجار السكاني وهو تخليق فيروس عن طريق الهندسة الوراثية يصيب الرجال والنساء بالعقم جميعاً! ثم يقول هذا العبقري: وحتى نهتدي لتخليق هذا الفيروس يجب أن نعلن أنه لا يجوز لأحد أن ينجب إلا بتصريح رسمي من وزارة الصحة، وإذا تعدى واحد من الناس وأنجب بدون صك غفران من وزارة الصحة، يجب أن يعاقب وأن يحرم من التأمين الصحي، وأن تفرض عليه غرامة كبيرة.

يقول: فإن تجاوز هذه العقوبات وأنجب بعد ذلك يجب أن يسجن وأن يعامل معاملة الشخصيات الخطرة!! ويخرج علينا عبقري آخر من جامعة (استانفورد) بأمريكا، يقول: إنني أقترح لحل المشكلة السكانية، أن يخلط القمح الذي يصدر إلى دول العالم الثالث بالعقاقير الطبية التي تمنع الحمل.

وكأن هذه البلاد في نظر هذا الوقح وأمثاله مزرعة للدواجن أو حظيرة لفئران التجارب سبحان الله العظيم!.

واقترح بعض المؤتمرين -إلا أن البعض الآخر قد اعترض على هذا الاقتراح- لحل المشكلة السكانية: الإجهاض، وممن اعترض أبناء الوفود الإسلامية التي شاركت في مثل هذا المؤتمر؛ لأنها قضية محسومة في شريعتنا وفي ديننا، ولست الآن بصدد بيان الحكم الشرعي في تلك المسألة الخطيرة.

لكنه الإنسان في غلوائه ضلت بصيرته فجن جنونا ويحي لمنتحر كأن بنفسه من نفسه حقد الحقود دفينا اعتد أسلحة الدمار فما رعت طفلاً ولا امرأة ولا مسكينا واليوم مد يديه للأرحام تو تلعان منها مضغة وجنينا قد صيغ من نور وطين فانبرى للنور يطفئه ولبى الطينا ما أضيع الإنسان مهما قد رقى سبل العلوم إذا أضاع الدينا {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:١٢٣ - ١٢٧].

{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٧ - ٩٩].

واقترح المؤتمر اقتراحاً رابعاً وهو: تأخير سن الزواج، ولابد أن نعلم بداهة أن هذا الاقتراح إنما يفتح المجال بمصراعيه للبدائل الأخرى من الجنس الآخر، وليس هذا تعسفاً مني، وإنما قد صرحت الوثيقة للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية بهذا، وهي عندي لمن أراد أن يطالعها، فقد قالت الوثيقة في الفصل الخامس في الصفحة رقم (٣٠): ينبغي على الحكومات أن تتخذ الإجراءات الفعالة للقضاء على جميع أشكال الإكراه والتمييز في السياسات والممارسات التي تتعلق بالزواج أو بأشكال الاقتران الأخرى.

اهـ والزواج معروف والحمد لله، لكن أشكال الاقتران الأخرى هي: زواجُ الرجل بالرجل، وزواج المرأة بالمرأة، وهذا يقطع النسل من أقصر طريق، ويؤدي إلى عدم التكاثر الجنسي.

هذه بعض المقترحات التي اقترحها المقترحون لوقف نمو سكان العالم الإسلامي، ونسي هؤلاء الذين شاء الله أن يفضحهم على رءوس الأشهاد في الدنيا قبل الآخرة إن لم يتوبوا ويعودوا إلى منهج الله عز وجل، وأن يتعرف العالم على سفاهة عقول القلة المترفة التي تحكم وتقود العالم بأسره الآن، -نسي هؤلاء بعمد مفضوح أن المنجم الحقيقي للتنمية هو الإنسان، وليست المشكلة في الكثافة السكانية، ولا في قلة الموارد، كذبوا ورب الكعبة! إننا نرى الآن دولاً تسقط ثمارها الناضجة من غير فعل الإنسان على الأرض، ولا تجد من يأكلها! ففي بلاد السودان أكثر من سبعين مليون فداناً صالحاً للزراعة -سبحان الله! - ولا تجد هذه الأرض من يزرعها، بل ولا من يأكل ثمارها في العراق في سوريا في الأردن في لبنان ليست المشكلة في قلة الموارد وليست المشكلة في الكثافة السكانية، ولكن المشكلة في حكام متسلطين، وفي سياسات ديمقراطية مدمرة، وفيروس قاتل يدمر الموارد، ويبدد الطاقات فيما لا جدوى من ورائه ولا طائل منه.

إنه التكاسل عن استثمار هذه الموارد واستغلالها! إنه الروتين القاتل! إنه غلق أبواب الإبداع والابتكار أمام هذه الطاقات الإنسانية الهائلة.

ليست الكثافة السكانية هي المشكلة، بل إن أرض الله عز وجل واسعة، أمدها الله عز وجل بالخيرات، ولكنه تقاعس الإنسان، بل وإن شئت فقل: ظلم الإنسان، فها نحن نرى فائضاً في الموارد عند بعض الدول الغنية المترفة، ترمي به في البحر في كل عام، ولا تمد يد المعونة والمساعدة للدول الإسلامية التي جاء الغرب اليوم ليتغنى بأنه ما جاء إلا حرصاً على عافية شعوبها وتنمية مواردها.

وأمامنا بعض الأمثلة تستحق الدراسة بعناية فائقة: اليابان -مثلاً- كدولة من الدول، يزيد عددُ سكانها عن مائة وعشرين مليوناً، ومع هذا فإن عدد السكان يعيشون على مساحة تقل عن مساحة أرض مصر، وبالرغم من هذا نرى فائضاً في الإنتاج، بل نرى فائضاً يفوق الفائض الأمريكي، بل وأصبحت أمريكا الآن تلوح بالتهديد المباشر -كما في الأيام والأشهر الماضية- لليابان إذا لم تفتح أسواقها أمام المنتجات الأمريكية.

اليابان لا تملك البترول، ولا تملك الحديد، ولا تملك الفحم، ومع هذا فهي من أغنى دول العالم اليوم؛ لأنها تملك أغلى كنز ألا وهو الإنسان.

استغلت هذا الإنسان استغلالاً علمياً مركزاً منظماً، فوصل الإنسان الياباني إلى ما نراه الآن، حتى أنه من آخر ما وصلوا إليه أنهم صنعوا مصعداً -الأصنصير- بالصوت -يستجيب بالصوت- دون أن تضغط على زر كهربائي أو غيره، فإذا ما جلست فيه تستطيع أن ترسل إشارة صوتية إلى هذا المصعد فينزل إليك في الحال.

قالوا: وإذا كان هناك من هو أعلى ينادي ومن هو أسفل ينادي واضطربت الأصوات فحينئذٍ يبرمج هذا المصعد بأن لا ينزل إلا على من نادى عليه أولاً! سبحان ربي العظيم! إنه الإنسان الذي خلقه الله جل جلاله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:١٢ - ١٤] إنه الإنسان! ومثل هذه التجربة تقال أيضاً عن هونج كونج سنغافورة كوريا عن هذه النمور الأسيوية التي بدأت الآن في الانطلاق.

إذاً يا سادة! المشكلة لا تتمثل في كثافة السكان كما ادعى هؤلاء، ولا تتمثل في قلة الموارد التي وهب الله الأرض بها، وإنما تتمثل في سوء التوزيع وسوء الاستغلال في هذه الموارد، وعلى سبيل المثال: ففي مصرنا يعيش أكثر من (٩٧.

٧) من مجموع السكان في شريط ضيق في وادي الدلتا والنيل ويحتشدون فيه احتشاداً رهيباً، وبقية المساحة التي تصل إلى مليون كيلو متر مربع، والتي يغلب عليها الطابع الصحراوي، إذ تمثل الصحراء من مجموع المساحة الكلية (٩٦%)، وبالرغم من هذا لا يسكن هذه المساحة بأكملها إلا (٦٧١) ألف نسمة! والملايين المملينة الأخرى تحتشد إحتشاداً رهيباً في وادي الدلتا والنيل.

إنه سوء توزيع وسوء استثمار، ومع هذا فإن هذه المشكلة لا تستلفت الأنظار ولا الانتباه، بقدر ما توجهت الاهتمامات لمشروع الحد من النسل أو تنظيم النسل.

أيها الأحبة الكرام! القضية لا تتمثل في كثافة السكان ولا في قلة الموارد، ومن ثم نعرض سريعاً في العنصر الأخير من عناصر هذا اللقاء الحلول المقترحة ينبغي أن تسمع من الإسلاميين، وأسأل الله جل وعلا أن يوفقنا جميعاً إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يتقبل منا وإياكم جميعاً صالح الأعمال.