للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التيقن أن الرزاق هو الله]

وأخيراً: نقترح نحن هذه الحلول: أولاً: كنا نود أن نقول لتلك الجمهرة من جميع أنحاء العالم أنهم قد نسوا حقيقة كبيرة تسمى بالرزاق ذو القوة المتين.

إنها حقيقة تملأ قلب كل موحد، الرزاق الذي تكفل بأرزاق العباد والدواب على ظهر هذه الأرض، وأوجب على نفسه -اختياراً منه سبحانه- رزق كل دابة تدب على سطح الأرض، فقال جل وعلا: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:٦].

أيها الحبيب الكريم! هذه الدواب التي لا يحصيها علم ولا يلم بها إحصاء بشري رزقها على ربي جل وعلا، أوجب الله على نفسه ذلك اختياراً منه سبحانه.

وأنا أقول: إذا كان ربنا يرزق الكفار أينسى من وحدوا العزيز الغفار؟! إنه الرزاق ذو القوة المتين! وانظر معي وتدبر معي هذه اللفتة القرآنية اللطيفة، إذ يقول الله سبحانه وتعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:٢٢ - ٢٣].

الرزق في السماء مع أن الأسباب الظاهرة لأرزاقنا في الأرض! ولكن الله جل وعلا يريد أن يلفت القلوب النقية والعقول الذكية إلى وجوب الأخذ بالأسباب في هذه الأرض، والتيقن أن الأسباب وحدها لا تضر ولا تنفع، ولا ترزق ولا تمنع، إلا بأمر مسبب الأسباب جل جلاله.

{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}.

واسمع إلى هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه: (أنه صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم)، من الذي يطعم هذه الأفواه؟! ليس الشرق الملحد وليس الغرب الكافر يا حكام المسلمين! لا يطعم هذه الأفواه إلا خالقها جل جلاله: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].

لا تخشوا فقد معونة شرقية ولا معونة غربية، فإن الذي يرزق الشرق الملحد والغرب الكافر هو الله، أفيرزق الله الكفار وينسى من وحدوا العزيز الغفار؟! (يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).

وتدبر معي هذا الحديث المبارك الذي رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري في كتاب التوحيد من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن يمين الله ملأى لا تغيظها نفقة -أي: لا تنقصها النفقة- سحاء الليل والنهار).

ما أنفقه ربكم منذ خلق السموات والأرض لم ينقص ما في يمينه جل وعلا.

إذاً: أيها الأحبة! إننا نرفع رءوسنا وإن ضحك العلمانيون بملء أفواههم وقالوا: انظروا لهذا الدرويش الذي جاء يقترح علينا حلاً للمشكلة والأزمة السكانية، ويتمثل اقتراحه وحله في كلمة اسمها: (الرزاق)، بل وربما تأتي الجرائد على صفحاتها الأولى وتحكي قصة هذا الرجل البدائي الذي جاء ليحل هذه الأزمة باسم الرزاق، ومع هذا فإننا نؤمن بهذه الحقيقة بقدر ما يكذب بها العلمانيون.

{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:٢٢ - ٢٣]، واسمحوا لي أن أكرر عن عمد قصة تلك البنت التقية بنت حاتم الأصم رحمه الله تعالى الذي أراد أن يحج بيت الله الحرام يوماً من الأيام، فجمع أبناءه وقال: إني ذاهب لحج بيت الله، فقال الأولاد: ومن يأتينا بطعامنا وشرابنا؟ فقالت بنت من بناته: يا أبتِ! اذهب لحج بيت الله فإنك لست برازق، وانطلق الرجل، وبعد أيام قليلة انتهى الطعام في بيت حاتم الأصم، وانطلقت الأم لتأنب هذه الفتاة التقية النقية، وسرعان ما عرفت الفتاة الحل والعلاج، فخلت هذه الفتاة بنفسها لترفع شكواها إلى الرزاق ذي القوة المتين، إلى من يسمع دبيب النملة السوداء تحت الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وفي هذا الوقت كان أمير البلدة يمر على الرعية ليتفقد أحوالهم، وأمام باب حاتم الأصم أحس بعطش شديد، فقال الأمير: ائتوني بكوب من الماء، فدخل شرطي من الشرطة على بيت حاتم الأصم وهو أقرب باب، فأحضروا كوباً نظيفاً وماءً بارداً، فلما شرب الأمير قال: بيت من هذا؟ قالوا: بيت حاتم الأصم، قال: هذا العبد الصالح؟ قالوا: نعم.

قال: الحمد لله الذي سقانا من بيوت الصالحين، أين هو لنسلم عليه؟ فقالوا: ذهب لحج بيت الله الحرام، فقال الأمير: إذاً حق علينا أن نكافئ أهل بيته في غيبته.

لقد استجاب الله دعاء الفتاة في الحال أليس ربك هو القائل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣].

استجاب الله دعاءها، فأرسل الأمير بكيس مملوء بالذهب وألقاه في بيت حاتم الأصم، ولكن الرزاق أراد الزيادة، فالتفت الأمير إلى الشرطة من حوله، وقال: من أحبني فليصنع صنيعي، ومن أحبه ومن لم يحبه فسوف يلقي ما معه من مال لعل الله أن يكرمه في أول تشكيل وزاري ليصبح وزيراً، فألقى كل شرطي ما معه من الأموال وامتلأ بيت حاتم بالذهب ودخلت الفتاة التقية النقية تبكي، فدخلت عليها أمها وإخوانها يقولون لها: تعالي! لماذا البكاء؟ لقد امتلأ بيتنا بالذهب وأصبحنا أغنى الناس في البلدة، فنظرت إليهم الفتاة التقية المؤمنة وقالت: لقد نظر إلينا مخلوق نظرة فاغتنينا، فكيف لو نظر الخالق إلينا؟! إنه الرزاق ذو القوة المتين الذي قال وقوله الحق: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣].