للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفاوت نعيم أهل الجنة]

تدبر معي أيها الحبيب! في نعيم أهل الجنة، وأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا جميعاً من أهلها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

نعيم أهل الجنة نعيم يفوق الوصف، ويقصر دونه خيال أي بليغ أديب مرهف الحس والمشاعر، وأرجو أن نعلم ابتداءً أن أهل الجنة في الجنة متفاوتون في النعيم، محال أن يكون أهل الإيمان بتفاوت إيمانهم ويقينهم في درجة واحدة، بل كل ينزل منزلة ودرجة في الجنة على حسب إيمانه ويقينه في الدنيا، قال الله جل وعلا: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء:١٩ - ٢١].

كما فضل الله عز وجل أهل الدنيا في الدنيا بالدرجات، كذلك فضل الله عز وجل أهل الآخرة بالدرجات ((وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً)).

فالناس متفاوتون في النعيم، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة).

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -وتدبروا هذا الحديث الرقراق-: (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف كما تتراءون الكوكب الدري في الأفق من المشرق أو المغرب، فقال الصحابة: يا رسول الله! هؤلاء هم الأنبياء الذين لا يشاركهم في منازلهم أحد، فقال المصطفى: لا والذي نفسي بيده! إنهم رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين).

ولا شك أن أعلى منزلة وأرفع درجة في الجنة هي لنبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو: (إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ فإنه من صلى عليّ مرة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي).

فالوسيلة هي أعلى درجات الجنة، وهي لا تنبغي البتة إلا لعبد واحد، وهذا العبد هو حبيب الله المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهو الذي ينزل وحده في هذه المكانة وفي هذه الدرجة، فأهل الجنة متفاوتون في النعيم.