للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بلال بن رباح رضي الله عنه]

وإليك المثل الثاني والأخير: وهو لعبد من العبيد إنه العبد الحبشي الأسود، صاحب البشرة السمراء النيرة إنه العبد الذي عذب على رمال مكة الملتهبة التي تذيب الحجارة والحديد والصخور، فوضع على ظهره فوق هذه الرمال الملتهبة، ووضعت الحجارة على صدره، فلما انقطعت أنفاسه رفع يده ليشير بسبابته وهو يقول في صوت متقطع: أحد أحد يشير إلى وحدانية الملك جل وعلا! إنه بلال رضوان الله عليه، عبد من العبيد أسمر اللون، مزدرى في أرض الجزيرة ممتهن محتقر، فلما عرف الله أعلى الله قدره بالإسلام وبالإيمان وباتباع النبي عليه الصلاة والسلام، فنال الدرجة الشامخة التي ارتقى إليها، بعد أن كان بالأمس القريب على رمال مكة في أرض الجزيرة خادماً لسيد من سادة الكفر في مكة، قال له الحبيب يوماً -والحديث في الصحيحين-: (يا بلال! حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة) الله أكبر! إنه لأمر عجب!! بلال العبد؟! نعم.

رقاه الإسلام فارتقى به من العبودية للعبيد إلى العبودية لرب العبيد، والعبودية للملك جل وعلا عزة ورفعة، وكلما ازددت عبودية لله كلما زادك الملك رفعة ورقياً وقربى، لذا امتن الله على حبيبه صلى الله عليه وسلم بصفة العبودية في أعلى المقامات وأجلها، فقال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:١] فالعبودية لله شرف، والعبودية لله عز، والعبودية لله كمال، والعبودية للعبيد ذل وحقارة وامتهان.

ما جاء الإسلام إلا ليخرج الناس من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

بلال الحبشي الذي ارتقى بالإسلام والإيمان، يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا بلال! أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة) بل إن رواية الترمذي بهذه الصيغة: (يا بلال! أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني رأيتك قد سبقتني إلى الجنة) الله أكبر! وفي لفظ: (فإني سمعت خشخشة نعليك بين يدي في الجنة) أتدرون ما هو هذا العمل؟! إنه المداومة على العمل الصالح.

قال بلال: (إن أرجى عمل عملته أنني ما توضأت وضوءاً أو تطهرت طهوراً إلا وصليت لله عز وجل ركعتين)، وفي لفظ الصحيحين: (إلا وصليت لله بهذا الطهور -أو بذلك الطهور- ما كتب لي أن أصلي) إذا توضأ أو تطهر في ساعة من ليل أو نهار قام يصلي بهذا الطهور أو بهذا الوضوء ما كتب الله عز وجل له أن يصلي.

إنه الحرص والمداومة على الأعمال الصالحات التي ترضي رب الأرض والسموات جل وعلا.