للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفتن والابتلاءات تظهر المنافقين]

الدرس الثاني: بعد هذه المحنة ظهر المنافقون، فالمنافقون مندسون في الصف، والمؤمنون يعرفون أعداءهم الظاهرين، فيعرفون اليهود، ويعرفون أهل الكفر، لكنهم لا يعرفون المنافقين الذين يندسون في الصفوف، فتأتي المحن، وتأتي الفتن؛ لتظهر ما تكنه الصدور من نفاق، ولتظهر ما تكنه القلوب من حقد على الإِسلام وأهله، فظهر النفاق، وظهرت عصابة النفاق، فالمحن تطرد عن الصف المزيفين، ولا يثبت على الصف بعد المحن والفتن والابتلاءات إلا من صفت نفسه، وخلصت سريرته، ومشى على الطريق يريد فضل الله وأجر الله جل جلاله، فلا يتاجر بالدعوة ولا بالعقيدة في سوق التجارة والشهوات، ولا يكون ممن يبيع ويشتري بالدعوة، فإن حصل نفعاً وخيراً فهو على الطريق مع السائرين، وإن تعرض للمحنة أو الابتلاء تخلى عن الطريق، كما قال عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:١١]، وقال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:٢ - ٣].

وهل الله لا يعلم الصادقين من الكاذبين إلا بعد المحن والابتلاءات؟!

الجواب

كلا، بل إن الله علم ما كان وما هو كائن وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وإنما ليطلع الله أهل الإيمان على أهل النفاق، ثم ليعاقب الله وليحاسب الله عباده على ما بدر منهم من قول وعمل، لا على ما علمه منهم سبحانه وتعالى، وهذا قمة العدل والرحمة، فالفتن والمحن تظهر المنافقين، وتبين المخبوء في الصدور، فظهر بعد المحنة أهل النفاق وعصابة النفاق.