للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الزيدية ومعتقداتها ومدى تأثرها بالفكر الرافضي]

الزيدية: هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد افترق الزيدية عن الإمامية الرافضة (الجعفرية)، حينما سئل زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فترضى عنهما، وأثنى عليهما خيراً، فلما سمعوا زيداً يقول ذلك رفضوه لرفضه أن يسب أبا بكر وعمر، فسميت هذه الفرقة بفرقة الرافضة أو الروافض، فهم الذين انشقوا عن فرقة الزيدية؛ لأن زيداً أبى أن يسب أبا بكر وعمر، وسمي من لم يرفض زيداً من الشيعة زيدياً لانتسابهم إليه، وذلك في آخر خلافة هشام بن عبد الملك سنة (١٢٢هـ) على الراجح من أقوال أهل السيرة والتاريخ.

والزيدية كما يقول الشهرستاني: ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها، ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم، إلا أنهم جوزوا أن كل فاطمي عالم شجاع سخي خرج بالإمامة أن يكون إماماً واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين رضي الله عنهما، وجوزوا إمامة المفضول مع وجود الفاضل.

ومذهب الزيدية المعتدلة أو الزيدية الحقيقية في الصحابة هو الترضي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما ينقل ذلك ابن الوزير عن الإمام الكبير المنصور بالله -وهو من أئمة الزيدية الكبار باليمن- أنه قال في الرسالة الإمامية في الجواب عن المسائل التهامية: (أما ما ذكره المتكلم عنا من تضعيف آراء الصحابة، فعذرنا أنهم أشرف قدراً، وأعلى أمراً، وأرفع ذكراً، من أن تكون ضعيفة، أو موازينهم في الشرف والدين خفيفة، فلو كان كذلك لما اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومالوا عن إلف دين الآباء والأتراب والقرباء إلى أمر لم يسبق لهم به أنس، ولم يسمع له ذكر، شاق على القلوب، ثقيل على النفوس، فهم خير الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده، فرضي الله عنهم، وجزاهم عن الإسلام خيراً- إلى أن قال الإمام الكبير المنصور بالله -: فهذا مذهبنا لم نكتمه تقية، كيف وموجبها زائل، ومن هو دوننا مكاناً وقدرة يسب ويلعن ويذم ويطعن؟! ونحن إلى الله سبحانه من فعله براء، وهذا ما يقضي به علم آبائنا منا إلى علي عليه السلام -إلى أن قال-: وفي هذه الجهة من يرى محض الولاء بسب الصحابة رضي الله عنهم، والبراءة منهم، فهذا قد تبرأ من محمد من حيث لا يعلم).

هذا كلام إمام من أئمة الزيدية المعتدلين كالإمام المنصور بالله، ولكن للأمانة يوجد في الزيدية من هو رافضي قح يقدم علياً على أبي بكر وعمر، بل ويسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ومذهبه في الصحابة كمذهب الرافضة تماماً، كالطائفة المشهورة المعروفة بالجارودية، هذه الطائفة من طوائف الزيدية يعتقدون مذهب ومعتقد الإمامية أو الجعفرية أو الإثني عشرية في سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام الشهرستاني في كتابه الماتع: (الملل والنحل): (إن أكثر الزيدية طعنت في الصحابة طعن الإمامية)، ويقول إمام كبير من أئمة الزيدية هو صالح بن مهدي بن علي المقبلي الصنعاني: (إن الزيدية ليس لهم قاعدة محددة، فإنهم أحياناً يطعنون في بعض خيار الصحابة كـ أبي هريرة وجرير بن عبد الله البجلي وأم المؤمنين حبيبة رضي الله عنهم؛ لأن هؤلاء رووا ما يخالف هواهم، وإذا جاءهم الحديث على ما يوافق هواهم قبلوه من طريق ذلك الصحابي، وإن كان أقل فضلاً ورتبة ممن طعنوا فيه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم).

وقال المقبلي أيضاً: (إنه قد سرى داء الإمامية في الزيدية في هذه الأعصار، وهو تكفير الصحابة ومن يتولاهم صانهم الله تعالى)، ولعل ظاهرة اعتناق الزيدية لمذهب الرفض هي التي جعلت بعضهم يقول: جئني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضياً كبيراً.

ومن عقائد الزيدية قولهم بعصمة فاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم ونحن نعلم أن العصمة للنبي صلى الله عليه وسلم وحده، ويقول يحيى بن حمزة بن علي الهاشمي اليمني، وهو من أكابر أئمة الزيدية: (إن معظم فرق الزيدية يقولون بالنص على إمامة الثلاثة -يعني: أن النبي قد نص قبل موته على إمامة علي ثم الحسن ثم الحسين رضي الله عنهم- ويعتقدون ثبوت إمامة من عداهم من أولاده -أي: من أولاد الحسن والحسين - بالدعوة).

أي: بدعوة الناس إلى إمامتهم أو بيعتهم، يعني: هم يقولون بالإمامة في نسل علي ونسل الحسن ونسل الحسين رضي الله عنهم جميعاً، ومسألة العصمة لهؤلاء هي كالطعن في أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ومسألة النص هي أيضاً كالطعن في أبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم جميعاً، كما أن القائلين بالنص والعصمة يخالفون من ينتسبون إليه وهو الإمام زيد، الذي لم يقل بالنص ولم يقل بالعصمة، فالزيدية الذين يعتقدون نص النبي صلى الله عليه وسلم على خلافة علي من بعده ثم الحسن ثم الحسين يخالفون إمامهم، إذ إن زيداً رحمه الله لم يقل بهذا، ولم يقل كذلك بالعصمة.