للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعاة على أبواب جهنم]

بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة الفضلاء! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم -جميعاً- من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعني مع حضراتكم في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أمواج الردة وصخرة الإيمان، هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم، وينتظم هذا الموضوع الخطير المهم العناصر المحددة التالية: أولاً: دعاة على أبواب جهنم.

ثانياً: الحرب على الثوابت.

ثالثاً: ما المخرج من هذه الفتن.

رابعاً: وستنكسر كل أمواج الردة على صخرة الإيمان.

فأعيروني القلوب والأسماع جيداً، فإن هذا الموضوع الآن من الأهمية والخطورة بمكان، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:١٨].

أولاً: دعاة على أبواب جهنم.

إننا نعيش الآن زماناً قد كلف فيه الذئاب برعي الأغنام: وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها الذئاب وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأيام وصفاً دقيقاً محكماً كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والحاكم وابن ماجة من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: من الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)، وفي لفظ قال: (الرجل السفيه يتكلم في أمر العامة)، والله لقد تكلم السفهاء والتافهون لا في أمر العوام بل في أمر الإسلام.

إنهم يعلنون الحرب لا على الفرعيات والجزئيات، بل على الأصول والكليات، وممكن الخطر: أنهم يعلنون الحرب على الإسلام باسم الإسلام، ويهدمون أركان وأصول وثوابت الدين باسم الدين، بأسلوب خبيث لا ينتبه لخطره كثير من المسلمين.

وقد وصف الصادق المصدوق، الذين لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم- هذا الصنف الخبيث وصفاً دقيقاً كما في الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأنا أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير -أي: بهذا الإسلام- فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير -أي: الذي شابه الدخن- من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: صفهم لنا يا رسول الله، فقال الصادق الذي لا ينطق عن الهوى: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا) وفي رواية مسلم: (رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس) يا له من وصف دقيق من الصادق، ومع ذلك فهم يزعمون أنهم المسددون والمصلحون والمثقفون إلخ، ولكنهم في الحقيقة كما قال الله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة:١٢ - ١٦].

نعم، وأنى لهذا الصنف الخبيث الهدى، وهم يعلنون الحرب على أركان وثوابت الإسلام؟! وهذا هو عنصرنا الثاني والمهم من عناصر اللقاء.