للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شبهات على السنة وردود]

من طعنهم في السنة قولهم: هل يعقل إذا ولغ الكلب في إناء من الآنية أن نغسل هذا الإناء سبع مرات بالماء وأن نغسله مرة بالتراب؟ ما هذا الانغلاق؟! ما هذا الضيق؟ أنتم تعيشون في عصر الإنترنت، وعصر أتوبيس الفضاء ديسكفري، كيف تقولون مثل هذا الكلام الذي يحول بين الغرب وبين الإسلام؟! هذا القول: إذا ولغ الكلب في الإناء يجب أن نغسل الإناء بالتراب مرة أمر لا يقره العقل! وكذلك إذا وقعت الذبابة في السائل كيف نغمس الذبابة في السائل بدعوى أنها تحمل في جناح من جناحيها الداء، وتحمل في الجناح الآخر الدواء؟! ما هذا؟! أمر لا يقبله العقل، بل ويصطدم اصطداماً مباشراً مع الرقي والحضارة والمدنية! وكان من الواجب أن يكون السؤال هكذا: هل ثبت فعلاً أن رسول الله قال ذلك؟ هذا هو الأدب، ولا حرج على الإطلاق عند من يعبدون العقل ويقدسون العلم أن يمحصوا ويحققوا ويبحثوا بالأصول الحديثية التي وضعها الفحول من أهل الحديث ليتعرفوا على صحة السند والمتن، وعند معرفتهم أن الحديث ثابت وصحيح كان من الواجب عليهم أن يصدقوا كلام النبي ولو لم تدركه العقول، حتى ولو صادم نظرية من النظريات العلمية.

قد تقول: كيف ذلك؟ نقول: ابتداءً هناك اتفاق بين علماء الأرض قاطبة أن النظريات العلمية لا تقدم حقائق يقينية ثابتة مطلقة لا تزيد ولا تنقص، ولا تحتمل التبديل ولا التغيير أبداً، وهذا اتفاق عام بين علماء الأرض أن النظريات العلمية ما هي إلا احتمالات، وليعذرني القارئ إن استشهدت ببعض أقوال العلماء الكافرين؛ لأن المنتسبين لإسلامنا ممن يشككون في السنة إذا جاءهم الوحي من رسول الله كذبوه، وإذا جاءهم الوحي من أوروبا صدقوه.

يقول العالم الإنجليزي الشهير سرجن: (إن كل ما يستطيع العلم الحديث أن يقدمه إلى الآن ما هو إلا احتمالات)، فتخرج نظرية علمية لتهدم نظرية علمية سابقة، أو على الأقل لتنقض أصلاً من أصولها، أو لتزيد عليها أو لتنقص منها، وهذا أمر ثابت متفق عليه، فكان من الواجب أن نبحث: هل قال رسول الله ذلك؟ فإن كان الجواب بـ (نعم)، كان من المحتم اللازم أن نصدق كلام حبيبنا ونبينا وإن لم تدرك عقولنا مراد النبي، حتى ولو خالف نظرية من النظريات العلمية؛ لأن النظريات العلمية ما هي إلا احتمالات، وليست حقائق يقينية مطلقة ثابتة.

فهل قال رسول الله حقاً مثل هذا؟

الجواب

نعم.

ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب)، وفي رواية: (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب).

وفي صحيح البخاري وسنن أبي داود من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه أو لينزعه؛ فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء).

فما الذي قاله العلم الحديث؟ وأرجو أن يفهم الطلاب أنني لا أريد الآن أن أصدق بالعلم الحديث كلام النبي صلى الله عليه وسلم، كلا، فالمسلم الصادق لا يحتاج إلى دليل من العلم ليصدق به كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، لكن أود أن أبين لعباد العلم والعقل ما الذي توصل إليه العلم الحديث في هاتين القضيتين الخطيرتين الكبيرتين: في قضية ولوغ الكلب، وفي قضية سقوط الذبابة في السائل، فقد كانوا يعلنون الحرب ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها حينما يقول عالم من علماء الإسلام أو الحديث ذلك، فما الذي توصل إليه العلم في السنوات القليلة الماضية؟ تدبر معي وارفع رأسك لأنك تنسب إلى رسول الله.

توصل أشهر عالم من علماء الطفيليات في العالم، وهو البروفسور أليسون -وهو عالم إنجليزي شهير ما زال حياً يرزق-، وهو من الأساتذة الإنجليز الذين يشرفون على أيِّ رسالة لأيِّ طبيب من أطباء العالم يتقدم للحصول على الزمالة البريطانية، فمن بين هؤلاء المتخصصين هذا العالم أليسون، ماذا قال؟ الرجل لما سمع يوماً حديث سيد البشرية في قضية ولوغ الكلب تعجب وأجرى الدراسات والتجارب العلمية، وهو رجل لا يدين بالإسلام، وبعد إجراء التجارب العلمية قال: وجدنا في علم الطفيليات أن الكلب يحمل في لعابه أكثر من خمسين مرضاً.

والعجيب أن الإناء الذي ولغ فيه الكلب لا يطهره الماء من كل الطفيليات والميكروبات التي نزلت مع ولوغ الكلب، فقالوا: نجرب كلام محمد صلى الله عليه وسلم فغسلوا الإناء بالتراب مرة ثم أقاموا الدراسات والتجارب، فلم يجدوا أثراً لميكروب واحد في الإناء بعدما غسلوه بالتراب، فمن الذي علم المصطفى ذلك؟ هذه حقيقة علمية هائلة لم تكتشف إلا في السنوات القليلة الماضية، مع أن المصطفى قد ذكرها منذ أربعة عشر قرناً، ألم يقل ربنا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:٣]؟ فهذه تجربة علمية أثبتت أن الكلب إذا ولغ فإنه يخرج من لعابه أكثر من خمسين مرضاً، وأن الماء وحده لا يكفي لتطهير الإناء من الطفيليات والميكروبات التي يخرجها الكلب في لعابه، فلما غسلوا الإناء بالتراب لم يجدوا أثراً لميكروب واحد من الميكروبات التي أفرزها الكلب في لعابه، وصدق المصطفى، بل وصدق رب المصطفى الذي يقول: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:٣].

وفي عام واحد وسبعين وثمانمائة وألف من الميلاد اكتشف العالم الألماني بريتلد -من جامعة (هال) الألمانية- أن الذبابة تحمل نوعاً من أنواع الجراثيم التي تسبب أمراض الحميات كالتيفود والدوسنتاريا وغير ذلك، ثم أثبت هذا العالم أيضاً أن الذبابة في الوقت ذاته تحمل نوعاً أو طفيلاً من جنس الفطريات سماها هذا العالم - بريتلد - (الموزاموسكي)، وقال: في الوقت الذي تحمل فيه الذبابة الجراثيم التي تسبب أمراض الحميات كالتيفود والدوسنتاريا فإن الذبابة في الوقت ذاته تحمل طفيلياً من جنس الفطريات يسمى الموزاموسكي، هذا الفطر يفرز مادة تحتوي على مضادات حيوية تقضي تماماً على الجراثيم التي تحملها الذبابة في جناحها الأول.

وجاءت التجارب العلمية بعد ذلك لتؤكد صحة ما وصل إليه بريتلد، بل ولتقف على الخصائص العجيبة لهذا الفطر الذي تحمله الذبابة على شكل دوائر، فاكتشفوا خصائص عجيبة لهذا الفطر الذي يقضي على الجراثيم التي تحملها الذبابة في الجناح الأول، وقالوا: إن جراماً واحداً من هذا الفطر الذي تحمله الذبابة على شكل دوائر مستديرة كفيل بحفظ ألفي لترٍ من اللبن الملوث بهذه الجراثيم.

ثم وصلوا إلى حقيقة أعجب، وخذها بقلبك وعقلك لتفخر بأنك من الموحدين، وبأنك من أمة سيدنا النبيين، وصلوا إلى حقيقة علمية مذهلة، فقد قالوا: والعجيب أن هذه المادة التي تخرج من الفطر الذي في جسم الذبابة لا تفرز أبداً إلا بعد غمس الذبابة في السائل.

من الذي علم المصطفى ذلك؟ المصطفى رسول ليس عالم طب، وليس عالم فلك، وليس عالم جيولوجيا، وليس عالم هندسة، بل إن المصطفى رسول من عند الله، لا ينطق عن الهوى بل ينطق عن الله جل في علاه.

قالوا: إن الذبابة لا تفرز المادة للقضاء على الجراثيم التي تفرزها الذبابة من جناحها الأول إلا بعد غمس الذبابة في السائل، وأود أن أفرق بين غمس الذبابة في السائل للتصديق بهذه الحقيقة النبوية وبين أن يجد المرء من نفسه عدم القدرة على تناول السائل، فهذا أمر آخر، لا أنكر عليك إن لم تستطع أن تشرب السائل، فلقد عرض على النبي لحم الضب فلم يأكله، فقالوا: (أحرام هو يا رسول الله؟! قال: لا غير أني أجدني أعافه)، فلا حرج، لكن الحرج في أن تكذب رسول الله، وحين يأتيك الوحي من ألمانيا تصدق بعد ذلك أن ما قاله المصطفى هو الحق الذي لا محيد عنه، من الذي علم رسول الله هذه الحقائق العلمية الهائلة التي لم تكتشف إلا في السنوات القليلة الماضية؟!