للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أعظم الموبقات وأكبر الكبائر الشرك بالله عز وجل]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين وسيد المرسلين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتي في الله! قدر الله جل وعلا أن نختم حديثنا عن أئمة الهدى ومصابيح الدجى بالحديث عن الأئمة الأربعة المعروفين، وسأكتفي بهذا القدر في الحديث عن هذه السلسلة الكريمة، سائلاً الحق تبارك وتعالى أن ينفع بها، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:١٨].

لنبدأ من اليوم -إن شاء الله جل وعلا- سلسلة منهجية جديدة أخرى بعنوان: اجتنبوا السبع الموبقات، وهذه السلسلة شرح لحديث صحيح رواه الإمام البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)، هذه هي السبع الموبقات التي سنقف معها إن لم يكن في سبعة لقاءات، ففي تسعة أو في عشرة لقاءات إن قدر الله جل وعلا لنا البقاء واللقاء.

(اجتنبوا السبع الموبقات) أي: المهلكات، وسميت بالمهلكات؛ لأنها سبب لإهلاك صاحبها ومرتكبها عياذاً بالله، قال الحافظ ابن حجر: والموبقة هنا هي الكبيرة.

وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم الحديث عن أكبر الكبائر ألا وهو الشرك بالله، والحديث عن الشرك أيها الأحبة حديث طويل بطول رحلته على هذه الأرض من لدن نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا، ولذا حتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم في عدة عناصر: أولاً: خطورة الشرك.

ثانياً: رحلة الشرك إلى الأرض.

ثالثاً: أقسام الشرك.

رابعاً: فضل تحقيق التوحيد.

فأعيروني القلوب والأسماع أيها الأخيار، فإن لقاءنا اليوم من الأهمية بمكان.

أولاً: خطورة الشرك: أحبتي في الله! إن الشرك أظلم الظلم، وأقبح الجهل، وأكبر الكبائر، ومن ثم لم تدع الرسل جميعاً إلى شيء قبل التوحيد، ولم تنه الرسل جميعاً عن شيء قبل التنديد، ولذا لم يتوعد الله جل وعلا على ذنب مثلما توعد على الشرك من الوعيد الشديد، فقال ربنا جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:١١٦]، وقال الله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:٧٢].

أيها الحبيب! ستعجب إذا علمت أن الله جل وعلا قد خاطب صفوة خلقه وهم الرسل بقوله جل وعلا: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٨٨]، بل وسيزداد عجبك إذا علمت أن الله جل وعلا قد خاطب إمام الموحدين وقدوة المحققين وسيد المرسلين محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:٦٥ - ٦٦]، هذا خطاب من الله لإمام الموحدين، وقدوة المحققين محمد صلى الله عليه وسلم، {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥] أي: من إخوانك من النبيين والمرسلين.

ومن ثم حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الشرك تحذيراً شديداً فقال كما في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن مسعود: (من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار)، قال ابن مسعود وقلت أنا: (ومن مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة).

وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله ما الموجبتان؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار).

وفي الصحيحين من حديث سعيد بن المسيب عن أبيه رضي الله عنهما قال: (لما حضرت أبا طالب الوفاة وكان عنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على عمه أبي طالب، فقال: أي عم، قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله يوم القيامة، فالتفت اللعين أبو جهل إلى أبي طالب وقال: يا أبا طالب: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال أبو طالب: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزل قول الله جل وعلا: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:١١٣]).

هذا هو خطر الشرك، لا يقبل الله فيه استغفاراً، ولا يقبل الله فيه شفاعة ولو كانت من سيد الخلق وحبيب الحق المصطفى صلى الله عليه وسلم، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:١١٦].