للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشرك الأكبر]

أما الشرك الأكبر فهو: اتخاذ الند لله أو مع الله، بأن يتخذ العبد نداً لله أو مع الله جل وعلا، يحبه كما يحب الله، ويخافه كما يخاف الله، وينقاد له كما ينقاد لله جل وعلا، في جانب الاعتقاد تارة، أو في جانب النسك -أي: العبادة- تارة أخرى، أو في جانب التشريع وهو الجانب المر الحنظل مرة ثالثة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فيا أيها الحبيب! الشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بتوبة صادقة، بالإقرار بالوحدانية لله، وبخلع الشرك على عتبة التوحيد من أول لحظة: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].

وهذا الشرك قال الله عنه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:١٦٥ - ١٦٧].

وهذا الشرك هو شرك التسوية الذي قال الله عنه على لسان المشركين لآلهتهم في النار قالوا: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:٩٧ - ٩٨]، إن هذه التسوية هي بالمحبة والتعظيم والعبادة، وفي التشريع، فلقد قبلوا آراءهم وتشريعاتهم وعظموها أكثر من تعظيمهم لتشريعات ربهم جل وعلا، والله تبارك وتعالى يقول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:٦٠]، وقال الله عن المؤمنين: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:٥١]، شعار أهل الإيمان السمع والطاعة، سمع بلا تردد، وطاعة بلا انحراف.

هذا الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله جل وعلا، إما أن يتخذ العبد نداً مع الله، وإما أن يتخذ العبد نداً لله نداً يعبده من دون الله أو نداً يعبده مع الله، كشرك هؤلاء الذين يعبدون آلهة أخرى يظنون أنها تشفع لهم عند الله جل وعلا يوم القيامة.

والعجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قطع وسد هذا الباب وقال كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة لما سأله: (يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ -أتدرون ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام؟ - قال: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)، والشاهد أن النبي قد جعل أعظم أسباب الشفاعة: إخلاص التوحيد وتجريد التوحيد لله جل وعلا، فلا يشفع مخلوق عند الله عز وجل، إلا إذا قبل الله الشفاعة ابتداءً، ورضي الله عن الشافع وعن المشفوع فيه أو المشفوع له، {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢٥٥]، {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:٢٨].

ولا يقبل الله من الناس إلا التوحيد الخالص والعبادة الصحيحة لله جل وعلا، {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:١١٠].

ويبقى الحديث عن القسم الثاني من أقسام الشرك إلى ما بعد جلسة الاستراحة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.